بحـث
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 23 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 23 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 224 بتاريخ السبت نوفمبر 16, 2024 2:47 am
صحيح السيرة النبوية الجزء التاسع
صفحة 1 من اصل 1
صحيح السيرة النبوية الجزء التاسع
صحيح السيرة النبوية
ما صحّ من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أيامه
وغزواته وسراياه والوفود إليه
للحافظ ابن كثير
بقلم
محمد ناصر الدين الألباني
(رحمه الله تعالى )
الطبعة الأولى
المكتبة الإسلامية
عمان – الأردن
الجزءالتاسع
فصل
وفي ((الصحيحين)) عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال:
((فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء ... فخشيت منه فرقاً حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني. فأنزل الله: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾[المدثر: 1-5].
قال: ثم حمي الوحي وتتابع)).
فهذا كان أول من القرآن بعد فترة الوحي لا مطلقاً، ذاك قوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾.
وقد ثبت عن جابر : أن أول ما نزل : ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾، واللائق حمل كلامه ما أمكن على ما قلناه؛ فإن في سياق كلامه ما يدل على تقدم مجيء الملك الذي عرفه ثانياً بما عرفه به أولاً إليه. ثم قوله: ((يحدث عن فترة الوحي)) دليل على تقدم الوحي على هذا الإيحاء. والله أعلم.
وقد ثبت في ((الصحيحين)) عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أي القرآن أنزل قبل؟ فقال: ﴿يا أيها المدثر﴾.
فقلت: و ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾؟
فقال: سألت جابراً بن عبد الله: أي القرآن أنزل قبل؟ فقال: ﴿يا أيها المدثر﴾ فقلت: و﴿اقرأ باسم ربك﴾؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إني جاورت بـ(حراء) شهراً، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت بين يدي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فلم أرَ شيئاً، ثم نظرت إلى السماء؛ فإذا هو على العرش في الهواء، فأخذتني رعدة- أو قال: وحشة- فأتيت خديجة ، فأمرتهم فدثروني، فأنزل الله : ﴿يا أيها المدثر ﴾ حتى بلغك ﴿وثيابك فطهر﴾)).
وفي رواية:
((فإذا الملك الذي جاءني بـ(حراء) جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثيت منه)).
وهذا صريح في تقدم إتيانه إليه، وإنزاله الوحي من الله عليه؛ كما ذكرناه. والله أعلم.
ومنهم من زعم أن أول ما نزل بعد فترة الوحي سورة: ﴿والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى﴾ إلى آخرها. وهو قول بعيد يرده ما تقدم من رواية صاحبي ((الصحيح))؛ من أن أول القرآن نزولاً بعد فترة الوحي:
﴿يا أيها المدثر. قم فأنذر﴾، ولكن نزلت سورة (والضحى) بعد فترة أخرى كانت ليالي يسيرة؛ كما ثبت في ((الصحيحين)) وغيرهما عن جندب بن عبد الله البجلي قال:
اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلم يقم ليلة أو ليلتين أو ثلاثاً، فقالت امرأة: ما أرى شيطانك إلا تركك. فأنزل الله: ﴿وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
وبهذا الأمر حصل الإرسال إلى الناس، وبالأول حصلت النبوة.
ثم حمي الوحي بعد هذا وتتابع؛ أي: تدارك شيئاً بعد شيء.
وقام حينئذٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرسالة أتم القيام، وشمر عن ساق العزم ، ودعا إلى الله القريب والبعيد، والأحرار والعبيد، فآمن به حينئذ كل لبيب نجيب سعيد، واستمر على مخالفته وعصيانه كل جبار عنيد.
فكان أول من بادر إلى التصديق من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق.
ومن الغلمان علي بن أبي طالب.
ومن النساء خديجة بنت خويلد زوجته عليه السلام.
ومن الموالي مولاه زيد بن حارثة الكلبي؛ رضي الله عنهم وأرضاهم.
فصل
في منع الجان ومرَدَة الشياطين من استراق السمع حين أنزل القرآن لئلا يختطف أحدهم منه ولو حرفاً واحداً فيلقيه على لسان وليه فيلتبس الأمر ويختلط الحق
فكان من رحمة الله وفضله ولطفه بخلقه أن حجبهم عن السماء؛ كما قال الله تعالى إخباراً عنهم في قوله: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا. وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: 8- 10].
وقال تعالى :﴿وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون﴾[الشعراء: 210 – 212].
وروى الحافظ أبو نعيم عن ابن عباس قال:
كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا حفظوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوا فتكون باطلاً.
فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا لإبليس – ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك – فقال لهم إبليس : هذا لأمر قد حدث في الأرض.
فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين، فأتوه فأخبروه ، فقال : هذا الأمر الذي حدث في الأرض.
وعنه قال:
انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلتْ عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، قالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا اشهب. فقالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، [فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء؟! فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها].
فمر النفق الذي أخذوا نحو (تهامة) - وهو بـ(نخل) – عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمع القرآن استمعوا له، فقالو: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء.
فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا. يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾، فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم : ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا﴾.
أخرجاه في ((الصحيحين)).
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عنه قال:
إنه لم تكن قبيلة من الجن إلا ولهم مقاعد للسمع، فإذا نزل الوحي؛ سمعت الملائكة صوتاً كصوت الحديد ألقيتها على الصفا، قال: فإذا سمعت الملائكة خروا سجداً، فلم يرفعوا رؤوسهم حتى ينزل، فإذا نزل؛ قال بعضهم لبعض: ﴿ماذا قال ربكم﴾؟ فإن كان مما يكون في السماء ﴿قالوا الحق وهو العلي الكبير﴾، وإن كان مما يكون في الأرض من : أمر الغيب، أو موتٍ ، أو شيء مما يكون في الأرض تكلموا به، فقالوا: يكون كذا وكذا. فتسمعه الشياطين، فينزلونه على أوليائهم.
فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم دُحروا بالنجوم، فكان أول من علم بها ثقيف، فكان ذو الغنم منهم ينطلق إلى غنمه، فيذبح كل يوم شاة، وذو الإبل فينحر كل يوم بعيراً، فأسرع الناس في أموالهم، فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوا؛ فإن كانت النجوم التي يهتدون بها وإلا فإنه لأمر حدث. فنظروا؛ فإذا النجوم التي يُهتدى بها كما هي لم يَزُل منها شيء، فكفوا.
وصرف الله الجن فسمعوا القرآن ﴿فلما حضروه قالوا أنصتوا﴾.
وانطلقت الشياطين إلى إبليس فأخبروه، فقال: هذا حدثٌ حدث في الأرض، فأتوني من كل أرض بتربة، فآتوه بتربة تهامة، فقال: ها هنا الحدث.
ورواه البيهقي والحاكم عن عطاء بن السائب.
وثبت في الحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في نفر من أصحابه [من الأنصار]، فرُمي بنجم عظيم فاستنار، قال:
((ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية؟)).
قال: كنا نقول: يولد عظيم، أو يموت عظيم – قال معمر: قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم؛ ولكن غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم – قال:
((فإنه لا يرمى بها لموت أحد، ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذي يلونهم، حتى يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذي يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ﴿ماذا قال ربكم﴾؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء؛ حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، ويخطف الجن السمع فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون [فيه] ويزيدون)).
[المستدرك]
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا قضى الله الأمر في السماء؛ ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله؛ كأنه سلسلة على صفوان [ينفذهم ذلك]، فـ﴿إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا﴾ للذي قال: ﴿الحق وهو العلي الكبير﴾ [سبأ: 23]. فيسمعها مسترقـ[وا] السمع، ومسترقـ[وا] السمع هكذا : بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بكفه؛ فحرفها وبدّد (وفي لفظ : وفرج) بين أصابعه- يسمع الكلمة، فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب [المستمعَ] قبل أن يلقيا [إلى صاحبه فيحرق]، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فيُصدّق بتلك الكلمة التي سمع من السماء)).
أخرجه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((ليسوا بشيء)).
قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون أحياناً الشيء يكون حقاً؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقرّها في أذن وليه قرّ الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)).
أخرجه الشيخان. [انتهى المستدرك].
ويليه الجزءالعاشر
ما صحّ من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أيامه
وغزواته وسراياه والوفود إليه
للحافظ ابن كثير
بقلم
محمد ناصر الدين الألباني
(رحمه الله تعالى )
الطبعة الأولى
المكتبة الإسلامية
عمان – الأردن
الجزءالتاسع
فصل
وفي ((الصحيحين)) عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال:
((فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء ... فخشيت منه فرقاً حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني. فأنزل الله: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾[المدثر: 1-5].
قال: ثم حمي الوحي وتتابع)).
فهذا كان أول من القرآن بعد فترة الوحي لا مطلقاً، ذاك قوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾.
وقد ثبت عن جابر : أن أول ما نزل : ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾، واللائق حمل كلامه ما أمكن على ما قلناه؛ فإن في سياق كلامه ما يدل على تقدم مجيء الملك الذي عرفه ثانياً بما عرفه به أولاً إليه. ثم قوله: ((يحدث عن فترة الوحي)) دليل على تقدم الوحي على هذا الإيحاء. والله أعلم.
وقد ثبت في ((الصحيحين)) عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أي القرآن أنزل قبل؟ فقال: ﴿يا أيها المدثر﴾.
فقلت: و ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾؟
فقال: سألت جابراً بن عبد الله: أي القرآن أنزل قبل؟ فقال: ﴿يا أيها المدثر﴾ فقلت: و﴿اقرأ باسم ربك﴾؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إني جاورت بـ(حراء) شهراً، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت بين يدي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فلم أرَ شيئاً، ثم نظرت إلى السماء؛ فإذا هو على العرش في الهواء، فأخذتني رعدة- أو قال: وحشة- فأتيت خديجة ، فأمرتهم فدثروني، فأنزل الله : ﴿يا أيها المدثر ﴾ حتى بلغك ﴿وثيابك فطهر﴾)).
وفي رواية:
((فإذا الملك الذي جاءني بـ(حراء) جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثيت منه)).
وهذا صريح في تقدم إتيانه إليه، وإنزاله الوحي من الله عليه؛ كما ذكرناه. والله أعلم.
ومنهم من زعم أن أول ما نزل بعد فترة الوحي سورة: ﴿والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى﴾ إلى آخرها. وهو قول بعيد يرده ما تقدم من رواية صاحبي ((الصحيح))؛ من أن أول القرآن نزولاً بعد فترة الوحي:
﴿يا أيها المدثر. قم فأنذر﴾، ولكن نزلت سورة (والضحى) بعد فترة أخرى كانت ليالي يسيرة؛ كما ثبت في ((الصحيحين)) وغيرهما عن جندب بن عبد الله البجلي قال:
اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلم يقم ليلة أو ليلتين أو ثلاثاً، فقالت امرأة: ما أرى شيطانك إلا تركك. فأنزل الله: ﴿وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
وبهذا الأمر حصل الإرسال إلى الناس، وبالأول حصلت النبوة.
ثم حمي الوحي بعد هذا وتتابع؛ أي: تدارك شيئاً بعد شيء.
وقام حينئذٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرسالة أتم القيام، وشمر عن ساق العزم ، ودعا إلى الله القريب والبعيد، والأحرار والعبيد، فآمن به حينئذ كل لبيب نجيب سعيد، واستمر على مخالفته وعصيانه كل جبار عنيد.
فكان أول من بادر إلى التصديق من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق.
ومن الغلمان علي بن أبي طالب.
ومن النساء خديجة بنت خويلد زوجته عليه السلام.
ومن الموالي مولاه زيد بن حارثة الكلبي؛ رضي الله عنهم وأرضاهم.
فصل
في منع الجان ومرَدَة الشياطين من استراق السمع حين أنزل القرآن لئلا يختطف أحدهم منه ولو حرفاً واحداً فيلقيه على لسان وليه فيلتبس الأمر ويختلط الحق
فكان من رحمة الله وفضله ولطفه بخلقه أن حجبهم عن السماء؛ كما قال الله تعالى إخباراً عنهم في قوله: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا. وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: 8- 10].
وقال تعالى :﴿وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون﴾[الشعراء: 210 – 212].
وروى الحافظ أبو نعيم عن ابن عباس قال:
كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا حفظوا الكلمة زادوا فيها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوا فتكون باطلاً.
فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا لإبليس – ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك – فقال لهم إبليس : هذا لأمر قد حدث في الأرض.
فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين، فأتوه فأخبروه ، فقال : هذا الأمر الذي حدث في الأرض.
وعنه قال:
انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلتْ عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، قالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا اشهب. فقالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، [فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء؟! فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها].
فمر النفق الذي أخذوا نحو (تهامة) - وهو بـ(نخل) – عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمع القرآن استمعوا له، فقالو: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء.
فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا. يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾، فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم : ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا﴾.
أخرجاه في ((الصحيحين)).
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عنه قال:
إنه لم تكن قبيلة من الجن إلا ولهم مقاعد للسمع، فإذا نزل الوحي؛ سمعت الملائكة صوتاً كصوت الحديد ألقيتها على الصفا، قال: فإذا سمعت الملائكة خروا سجداً، فلم يرفعوا رؤوسهم حتى ينزل، فإذا نزل؛ قال بعضهم لبعض: ﴿ماذا قال ربكم﴾؟ فإن كان مما يكون في السماء ﴿قالوا الحق وهو العلي الكبير﴾، وإن كان مما يكون في الأرض من : أمر الغيب، أو موتٍ ، أو شيء مما يكون في الأرض تكلموا به، فقالوا: يكون كذا وكذا. فتسمعه الشياطين، فينزلونه على أوليائهم.
فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم دُحروا بالنجوم، فكان أول من علم بها ثقيف، فكان ذو الغنم منهم ينطلق إلى غنمه، فيذبح كل يوم شاة، وذو الإبل فينحر كل يوم بعيراً، فأسرع الناس في أموالهم، فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوا؛ فإن كانت النجوم التي يهتدون بها وإلا فإنه لأمر حدث. فنظروا؛ فإذا النجوم التي يُهتدى بها كما هي لم يَزُل منها شيء، فكفوا.
وصرف الله الجن فسمعوا القرآن ﴿فلما حضروه قالوا أنصتوا﴾.
وانطلقت الشياطين إلى إبليس فأخبروه، فقال: هذا حدثٌ حدث في الأرض، فأتوني من كل أرض بتربة، فآتوه بتربة تهامة، فقال: ها هنا الحدث.
ورواه البيهقي والحاكم عن عطاء بن السائب.
وثبت في الحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في نفر من أصحابه [من الأنصار]، فرُمي بنجم عظيم فاستنار، قال:
((ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية؟)).
قال: كنا نقول: يولد عظيم، أو يموت عظيم – قال معمر: قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم؛ ولكن غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم – قال:
((فإنه لا يرمى بها لموت أحد، ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذي يلونهم، حتى يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذي يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ﴿ماذا قال ربكم﴾؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء؛ حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، ويخطف الجن السمع فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون [فيه] ويزيدون)).
[المستدرك]
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا قضى الله الأمر في السماء؛ ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله؛ كأنه سلسلة على صفوان [ينفذهم ذلك]، فـ﴿إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا﴾ للذي قال: ﴿الحق وهو العلي الكبير﴾ [سبأ: 23]. فيسمعها مسترقـ[وا] السمع، ومسترقـ[وا] السمع هكذا : بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بكفه؛ فحرفها وبدّد (وفي لفظ : وفرج) بين أصابعه- يسمع الكلمة، فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب [المستمعَ] قبل أن يلقيا [إلى صاحبه فيحرق]، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فيُصدّق بتلك الكلمة التي سمع من السماء)).
أخرجه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((ليسوا بشيء)).
قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون أحياناً الشيء يكون حقاً؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقرّها في أذن وليه قرّ الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)).
أخرجه الشيخان. [انتهى المستدرك].
ويليه الجزءالعاشر
محمدالفارس- امير مشرف
- عدد المساهمات : 335
نقاط : 5533
تاريخ التسجيل : 28/09/2011
العمر : 66
الموقع : العراق
مواضيع مماثلة
» صحيح السيرة النبوية الجزء السادس
» صحيح السيرة النبوية الجزء الثالث
» صحيح السيرة النبوية الجزء الثاني
» صحيح السيرة النبوية الجزء الاول
» صحيح السيرة النبوية الجزء السادس عشر
» صحيح السيرة النبوية الجزء الثالث
» صحيح السيرة النبوية الجزء الثاني
» صحيح السيرة النبوية الجزء الاول
» صحيح السيرة النبوية الجزء السادس عشر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد أغسطس 25, 2024 6:14 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» لاصمت في الصمت ,للشاعر حسين يعقوب الحمداني
الإثنين يوليو 08, 2024 5:48 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» سيف الدولة الحمداني.. لمحات تاريخية وثقافية
الإثنين يوليو 01, 2024 3:20 pm من طرف حسين يعقوب الحمداني
» عودة جديدة
الإثنين فبراير 06, 2023 4:41 am من طرف محمدالفارس
» عشيرة البزون
السبت فبراير 06, 2021 1:17 am من طرف احمد البزوني
» طيف سما بغير موعد
الخميس أبريل 02, 2020 6:34 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» كاميرات مراقبة و أجهزة انذار شركة الانظمة المتكاملة
الثلاثاء أغسطس 04, 2015 8:32 pm من طرف isti
» دلال المغربي بقلم : توفيق خليل ( ابو ظريف ) 14 / 3 / 2015
السبت مارس 14, 2015 1:38 am من طرف توفيق الكردي
» اجمل واروع تلاوة للقرآن
الثلاثاء سبتمبر 23, 2014 3:15 pm من طرف محمدالفارس