بحـث
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 64 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 64 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 224 بتاريخ السبت نوفمبر 16, 2024 2:47 am
صحيح السيرة النبوية الجزء الثاني
صفحة 1 من اصل 1
صحيح السيرة النبوية الجزء الثاني
صحيح السيرة النبوية
ما صحّ من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أيامه
وغزواته وسراياه والوفود إليه
للحافظ ابن كثير
بقلم
محمد ناصر الدين الألباني
(رحمه الله تعالى )
الطبعة الأولى
المكتبة الإسلامية
عمان – الأردن
الجزءالثاني
ذكر ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات
وخمود النيران ورؤيا الموبذان
وغير ذلك من الدلالات
(ليس فيه شيء)
ذكر حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام
أخرج البخاري ومسلم عن أم حبيبة بنت أبي سفيان [أنها] قالت: يا رسول الله! انكِح أختي بنت أبي سفيان (ولمسلم: عزة بنت أبي سفيان)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أو تحبين ذلك؟)). قلت: نعم، لست لك بمخْلِيَة، وأَحبُّ من شاركني في خير أختي. فقال: ((فإن ذلك لا يحل لي)). قالت: فإنا نحدّث انك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة (وفي رواية: دُرّة بنت أبي سلمة). قال: ((بنت أم سلمة؟!)). قلت: نعم. قال:
((إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضنّ عليّ بناتكن ولا أخواتكن)).
زاد البخاري: قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب أعتقها، فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك. قال:
((نعم؛ أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام.
واسترضعتُ في بني سعد بن بكر؛ فبينا أنا مع أخٍ لي خلف بيوتنا نرعى بهماً لنا، إذ أتاني رجلان- عليهما ثياب بيض- بطست من ذهب مملوء ثلجاً، ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي فشقّاه، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زِنْه بعشرة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمئة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك، فولالله لو وزنته بأمته لوزنها)).
وإسناده جيد قوي.
وقد روى أحمد وأبو نعيم في ((الدلائل)) عن عتبة بن عبد: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال:
الصحيحة (373)
((كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا، ولم نأخذ معنا زاداً، فقلت: يا أخي! اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا. فانطلق أخي ومكثت عند البهم، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فقال: نعم. فأقبلاً يبتدراني، فأخذاني فبطحاني للقفا، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه، فاخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء وثلج، فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد ، فغسلا به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة. فذرها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه. فخاطه، وختم على قلبي بخاتم النبوية، فقال أحدهما : اجعله في كفة، واجعل ألفاً من أمته في كفة. فإذا أنا أنظر إلى الألف فوق؛ أشفق أن يخر عليّ بعضهم، فقال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا فتركاني، وفرقتُ فرقي شديداً، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد لبس بي، فقالت: أعيذك بالله. فرحلت بعيراً لها، وحملتني على الرحل، وركبت خلفي، حتى بلغنا إلى أمي، فقالت: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيتُ، فلم يرُعها، وقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام)).
وثبت في ((صحيح مسلم)) عن أنس بن مالك:
(صحيح)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج معه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمَهُ، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني: ظئره- فقالوا: إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى ذلك المخيط في صدره.
وفي ((الصحيحين)) عن أنس، وعن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء – كما سيأتي – قصة شرح الصدر ليلتئذٍ، وأنه غسل بماء زمزم.
ولا منافاة لاحتمال وقوع ذلك مرتين: مرة وهو صغير؛ ومرة ليلة الإسراء ليتأهب للوفود إلى الملأ الأعلى، ولمناجاة الرب عز وجل، والمثول بين يديه سبحانه وتعإلى .
والمقصود أن بركته عليه الصلاة والسلام حلت على حليمة السعدية وأهلها وهو صغير ، ثم عادت على هوازن- بكمالهم- فواضله حين أسرهم بعد وقعتهم، وذلك بعد فتح مكة بشهر، فمتّوا إليه برضاعه فأعتقهم، تحنن عليهم، وأحسن إليهم؛ كما سيأتي مفصلاً في موضعه إن شاء الله تعالى .
قال محمد بن إسحاق في وقعة (هوازن): عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(حنين)، فلما أصاب من أموالهم وسباياهم؛ أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله! إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله! إن ما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، فلو أنا ملحنا ابن أبي شمر، أو النعمان بن المنذر، ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك؛ رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت خير المكفولين. ثم أنشد
امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر
امنن على بيضة قد عاقها قدر ممزق شملها في دهرها غير
أبقت لنا الدهر هتافاً على حزن على قلوبهم الغماء والغمر
إن لم تداركها نعماء تنشرها يا أرجح الناس حلماً حين يختبر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك يملؤه من محضها درر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها وإذ يزينك ما تأتي وما تذر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته واستبق منا فإنا معشر زهر
إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
وقد رويت هذه القصة عن أبي صرد زهير بن جرول- وكان رئيس قومه – قال:
لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؛ فبينا هو يميزالرجال والنساء، وثبت حتى قعدت بين يديه، وأسمعته شعراً أذكرّه حين شب ونشأ في (هوازن) حين أرضعوه:
امنن علينا رسول الله في دعة فإنك المرء نرجوه وننتظر
امنن على بيضة قد عاقها قدر ممزق شملها في دهرها غير
أبقت لنا الحرب هتّافاً على حزن على قلوبهم الغمّاء والغمر
إن لم تداركها نعماء تنشرها يا أرجح الناس حلماً حين يختبر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها وإذ يزينك ما تأتي وما تذر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته واستبق منافإنا معشر زُهُرُ
إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه من أمهاتك إن العفو مشتهر
إنا نؤمل عفواً منك تلبسه هذا البرية إذ تعفو وتنتصر
فاغفر عفا الله عما أنت راهبه يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم)).
فقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وسيأتي أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم الذرية، وكانت ستة آلاف ما بين صبي وامرأة، وأعطاهم أنعاماً وأناسي كثراً.
فهذا كله من بركته العاجلة في الدنيا، فكيف ببركته على من اتبعه في الدار الآخرة؟!
فصل
روى الإمام أحمد عن بريدة قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بـ(ودّان) قال:
((مكانكم حتى آتيكم)). فانطلق، ثم جاءنا وهو ثقيل، فقال:
((إني أتيت قبر أم محمد، فسألت ربي الشفاعة- يعني : لها - فمنعنيها، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)).
ورواه البيهقي من طريق أخرى عنه بلفظ:
انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسم قبرٍ فجلس، وجلس الناس حوله، فجعل يحرك رأسه كالمخاطب، ثم بكى، فاستقبله عمر، فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال:
((هذا قبر آمنة بنت وهب، استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فأبى عليّ، وأدركتني رقتها فبكيت)).
قال: فما رأيت ساعة أكثر باكياً من تلك الساعة.
ورواه البيهقي من طريق أخرى نحوه.
وهو والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال:
زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، ثم قال:
((استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم الموت)).
وورى مسلم أيضاً عن أنس:
أن رجلاً قال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: ((في النار)). فلما قفّى دعاه، فقال:
((إن أبي وأباك في النار)).
وقد روى البيهقي عن عامر بن سعد عن أبيه قال:
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي كان يصل وكان وكان، فأين هو؟ قال: ((في النار)).
قال: فكأنّ الأعرابي وجد من ذلك ، فقال: يا رسول الله! أين أبوك؟ قال:
((حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار)).
قال: فأسلم الأعرابي بعد ذلك فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعباً؛ ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار.
والمقصود أن عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية؛ خلافاً لفرقة الشيعة فيه، وفي ابنه أبي طالب؛ على ما سيأتي في (وفاة أبي طالب).
وقد قال البيهقي بعد روايته هذه الأحاديث في كتابه((دلائل النبوة)):
((وكيف لا يكون أبواه وجده عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة في الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا ولم يدينوا بدين عيسى ابن مريم عليه السلام، وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام؛ لأن أنكحة الكفار صحيحة، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم؛ فلا يلزمهم تجديد العقد ولا مفارقتهن، إذ كان مثله يجوز في الإسلام . وبالله التوفيق)).
قلت: وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار؛ لا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة؛ كما بسطناه سنداً ومتناً في ((تفسيرنا)) عند قوله تعالى : ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً﴾ [الإسراء: 15]. فيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب، فلا منافاة، ولله الحمد والمنة.
ويليه الجزء الثالث
ما صحّ من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أيامه
وغزواته وسراياه والوفود إليه
للحافظ ابن كثير
بقلم
محمد ناصر الدين الألباني
(رحمه الله تعالى )
الطبعة الأولى
المكتبة الإسلامية
عمان – الأردن
الجزءالثاني
ذكر ارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات
وخمود النيران ورؤيا الموبذان
وغير ذلك من الدلالات
(ليس فيه شيء)
ذكر حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام
أخرج البخاري ومسلم عن أم حبيبة بنت أبي سفيان [أنها] قالت: يا رسول الله! انكِح أختي بنت أبي سفيان (ولمسلم: عزة بنت أبي سفيان)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أو تحبين ذلك؟)). قلت: نعم، لست لك بمخْلِيَة، وأَحبُّ من شاركني في خير أختي. فقال: ((فإن ذلك لا يحل لي)). قالت: فإنا نحدّث انك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة (وفي رواية: دُرّة بنت أبي سلمة). قال: ((بنت أم سلمة؟!)). قلت: نعم. قال:
((إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضنّ عليّ بناتكن ولا أخواتكن)).
زاد البخاري: قال عروة : وثويبة مولاة لأبي لهب أعتقها، فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك. قال:
((نعم؛ أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام.
واسترضعتُ في بني سعد بن بكر؛ فبينا أنا مع أخٍ لي خلف بيوتنا نرعى بهماً لنا، إذ أتاني رجلان- عليهما ثياب بيض- بطست من ذهب مملوء ثلجاً، ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي فشقّاه، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زِنْه بعشرة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمئة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك، فولالله لو وزنته بأمته لوزنها)).
وإسناده جيد قوي.
وقد روى أحمد وأبو نعيم في ((الدلائل)) عن عتبة بن عبد: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال:
الصحيحة (373)
((كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا، ولم نأخذ معنا زاداً، فقلت: يا أخي! اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا. فانطلق أخي ومكثت عند البهم، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فقال: نعم. فأقبلاً يبتدراني، فأخذاني فبطحاني للقفا، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه، فاخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء وثلج، فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد ، فغسلا به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة. فذرها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه. فخاطه، وختم على قلبي بخاتم النبوية، فقال أحدهما : اجعله في كفة، واجعل ألفاً من أمته في كفة. فإذا أنا أنظر إلى الألف فوق؛ أشفق أن يخر عليّ بعضهم، فقال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا فتركاني، وفرقتُ فرقي شديداً، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد لبس بي، فقالت: أعيذك بالله. فرحلت بعيراً لها، وحملتني على الرحل، وركبت خلفي، حتى بلغنا إلى أمي، فقالت: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيتُ، فلم يرُعها، وقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام)).
وثبت في ((صحيح مسلم)) عن أنس بن مالك:
(صحيح)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج معه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمَهُ، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني: ظئره- فقالوا: إن محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى ذلك المخيط في صدره.
وفي ((الصحيحين)) عن أنس، وعن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء – كما سيأتي – قصة شرح الصدر ليلتئذٍ، وأنه غسل بماء زمزم.
ولا منافاة لاحتمال وقوع ذلك مرتين: مرة وهو صغير؛ ومرة ليلة الإسراء ليتأهب للوفود إلى الملأ الأعلى، ولمناجاة الرب عز وجل، والمثول بين يديه سبحانه وتعإلى .
والمقصود أن بركته عليه الصلاة والسلام حلت على حليمة السعدية وأهلها وهو صغير ، ثم عادت على هوازن- بكمالهم- فواضله حين أسرهم بعد وقعتهم، وذلك بعد فتح مكة بشهر، فمتّوا إليه برضاعه فأعتقهم، تحنن عليهم، وأحسن إليهم؛ كما سيأتي مفصلاً في موضعه إن شاء الله تعالى .
قال محمد بن إسحاق في وقعة (هوازن): عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ(حنين)، فلما أصاب من أموالهم وسباياهم؛ أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله! إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله! إن ما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، فلو أنا ملحنا ابن أبي شمر، أو النعمان بن المنذر، ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك؛ رجونا عائدتهما وعطفهما، وأنت خير المكفولين. ثم أنشد
امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر
امنن على بيضة قد عاقها قدر ممزق شملها في دهرها غير
أبقت لنا الدهر هتافاً على حزن على قلوبهم الغماء والغمر
إن لم تداركها نعماء تنشرها يا أرجح الناس حلماً حين يختبر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك يملؤه من محضها درر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها وإذ يزينك ما تأتي وما تذر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته واستبق منا فإنا معشر زهر
إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
وقد رويت هذه القصة عن أبي صرد زهير بن جرول- وكان رئيس قومه – قال:
لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؛ فبينا هو يميزالرجال والنساء، وثبت حتى قعدت بين يديه، وأسمعته شعراً أذكرّه حين شب ونشأ في (هوازن) حين أرضعوه:
امنن علينا رسول الله في دعة فإنك المرء نرجوه وننتظر
امنن على بيضة قد عاقها قدر ممزق شملها في دهرها غير
أبقت لنا الحرب هتّافاً على حزن على قلوبهم الغمّاء والغمر
إن لم تداركها نعماء تنشرها يا أرجح الناس حلماً حين يختبر
امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها وإذ يزينك ما تأتي وما تذر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته واستبق منافإنا معشر زُهُرُ
إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه من أمهاتك إن العفو مشتهر
إنا نؤمل عفواً منك تلبسه هذا البرية إذ تعفو وتنتصر
فاغفر عفا الله عما أنت راهبه يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم)).
فقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وسيأتي أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم الذرية، وكانت ستة آلاف ما بين صبي وامرأة، وأعطاهم أنعاماً وأناسي كثراً.
فهذا كله من بركته العاجلة في الدنيا، فكيف ببركته على من اتبعه في الدار الآخرة؟!
فصل
روى الإمام أحمد عن بريدة قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بـ(ودّان) قال:
((مكانكم حتى آتيكم)). فانطلق، ثم جاءنا وهو ثقيل، فقال:
((إني أتيت قبر أم محمد، فسألت ربي الشفاعة- يعني : لها - فمنعنيها، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)).
ورواه البيهقي من طريق أخرى عنه بلفظ:
انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسم قبرٍ فجلس، وجلس الناس حوله، فجعل يحرك رأسه كالمخاطب، ثم بكى، فاستقبله عمر، فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال:
((هذا قبر آمنة بنت وهب، استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فأبى عليّ، وأدركتني رقتها فبكيت)).
قال: فما رأيت ساعة أكثر باكياً من تلك الساعة.
ورواه البيهقي من طريق أخرى نحوه.
وهو والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال:
زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، ثم قال:
((استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم الموت)).
وورى مسلم أيضاً عن أنس:
أن رجلاً قال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: ((في النار)). فلما قفّى دعاه، فقال:
((إن أبي وأباك في النار)).
وقد روى البيهقي عن عامر بن سعد عن أبيه قال:
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي كان يصل وكان وكان، فأين هو؟ قال: ((في النار)).
قال: فكأنّ الأعرابي وجد من ذلك ، فقال: يا رسول الله! أين أبوك؟ قال:
((حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار)).
قال: فأسلم الأعرابي بعد ذلك فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعباً؛ ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار.
والمقصود أن عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية؛ خلافاً لفرقة الشيعة فيه، وفي ابنه أبي طالب؛ على ما سيأتي في (وفاة أبي طالب).
وقد قال البيهقي بعد روايته هذه الأحاديث في كتابه((دلائل النبوة)):
((وكيف لا يكون أبواه وجده عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة في الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا ولم يدينوا بدين عيسى ابن مريم عليه السلام، وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام؛ لأن أنكحة الكفار صحيحة، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم؛ فلا يلزمهم تجديد العقد ولا مفارقتهن، إذ كان مثله يجوز في الإسلام . وبالله التوفيق)).
قلت: وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار؛ لا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة؛ كما بسطناه سنداً ومتناً في ((تفسيرنا)) عند قوله تعالى : ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً﴾ [الإسراء: 15]. فيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب، فلا منافاة، ولله الحمد والمنة.
ويليه الجزء الثالث
محمدالفارس- امير مشرف
- عدد المساهمات : 335
نقاط : 5533
تاريخ التسجيل : 28/09/2011
العمر : 66
الموقع : العراق
مواضيع مماثلة
» صحيح السيرة النبوية الجزء الثاني عشر
» صحيح السيرة النبوية الجزء السادس عشر
» صحيح السيرة النبوية الجزء الخامس عشر
» صحيح السيرة النبوية الجزء الاول
» صحيح السيرة النبوية الجزء الرابع عشر
» صحيح السيرة النبوية الجزء السادس عشر
» صحيح السيرة النبوية الجزء الخامس عشر
» صحيح السيرة النبوية الجزء الاول
» صحيح السيرة النبوية الجزء الرابع عشر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد أغسطس 25, 2024 6:14 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» لاصمت في الصمت ,للشاعر حسين يعقوب الحمداني
الإثنين يوليو 08, 2024 5:48 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» سيف الدولة الحمداني.. لمحات تاريخية وثقافية
الإثنين يوليو 01, 2024 3:20 pm من طرف حسين يعقوب الحمداني
» عودة جديدة
الإثنين فبراير 06, 2023 4:41 am من طرف محمدالفارس
» عشيرة البزون
السبت فبراير 06, 2021 1:17 am من طرف احمد البزوني
» طيف سما بغير موعد
الخميس أبريل 02, 2020 6:34 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» كاميرات مراقبة و أجهزة انذار شركة الانظمة المتكاملة
الثلاثاء أغسطس 04, 2015 8:32 pm من طرف isti
» دلال المغربي بقلم : توفيق خليل ( ابو ظريف ) 14 / 3 / 2015
السبت مارس 14, 2015 1:38 am من طرف توفيق الكردي
» اجمل واروع تلاوة للقرآن
الثلاثاء سبتمبر 23, 2014 3:15 pm من طرف محمدالفارس