الحديد

"وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " سورة الحديد من الآية 25
معدن الحديد في وضعه الخام
كان معدن الحديد من أوّل المعادن التي عرفها الإنسان لأنّه كان يتساقط بصورة نقيّة من السّماء في شكل نيازك (شهب) ، و قد ظل الإنسان حوالي 1300 سنة قبل الميلاد لا يعلم كيف يستخرج الحديد من خاماته . و يوجد الحديد في تركيبات فلزّية في أنحاء كثيرة من العالم ، فهو يكوّن 5% من مكوّنات القشرة الأرضية ، كما يعتقد معظم العلماء أن مركز الأرض يتكوّن من الحديد في حالة سائلة .و يعدّ الحديد عنصراً هامّاً في الحياة فكلّ الخلايا الحيّة تحتوي عليه و لا يمكنها الاستغناء عنه . و الحديد من نعم الله على الإنسان فقد استخدمه في حروبه قديماً و لا يزال إلى يومنا ، و يعدّ العنصر الأساسي في كثير من الصناعات الحديثة و الآلات و الماكينات ، و هو أرخص الفلزّات ، و لهذه الأهمّية فقد ذكر الله تعالى فضله في كتابه العزيز بقوله : "و أنْزَلْنا الحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَافِعُ للنّاسِ" .
الحديد عبر التاريخ

كان الإنسان القديم يصنع أدواته و أسلحته من العظام أو الحجارة أو الخشب ، ثم اكتشف تدريجيّا أنّ المعادن الفلزّية التي قد يعثر عليها في الحجارة النّيْزكيّة أكثر صلاحية لصنع أدوات أحدّ و أمتن ، و قد عرف الإنسان الحديد في العصر البرونزي و كان المصدر الوحيد الحجارة النّيزكيّة الّتي تسقط من السّماء ، و في عام 1500 قبل الميلاد اكتشف الإنسان أنّه بتحميض بعض المعادن مع الخشب يمكنه الحصول على الحديد . و منذ ذلك الحين استخدم الحديد في مجالات محدودة كالحروب ، ثم تواصلت الأبحاث خلال القرون الموالية إلى أن أمكن استعماله في جميع المجالات الصناعية و اكتشاف الكثير من أنواعه التي استخدمت في ميادين كثيرة في العصر الحديث .
كيف نحصل على الحديد الصّلب ؟

الحديد عنصرٌ كيميائيّاً نشِطٌ جداّ ، لذلك لا يوجد نقيّا في الطّبيعة بل متّحدا مع عناصر أخرى خاصّة الأوكسجين . و أهمّ مصادر الحديد حاليا هي خاماته كأكسيد الحديد الأحمر (الهيماتيت) و أكسيد الحديد المغناطيسي (المغناتيت) الّتي تتوافر بكميّات كبيرة يسهل تعدينها في مناطق كثيرة من العالم . و تثحرق هذه الالخامات مع الكوك و الحجر الكلسي في الفرن العالي ، تُزال أكاسيد الحديد بالحرارة و يُصبّ الحديد المصهور في قوالب ، و يُعرف في هذه الحالة بحديد الزّهر أو حديد الصّبّ .
طرق صنع الفولاذ

إن الحديد عنصر غير نقيّ و يُعرف على هذه الحالة بحديد الزّهر ، يحوي من 3 إلى 4% من الكربون فتجعله قصِفاً (سهل الكسر) نوعاما ، و للحصول على الفولاذ الذي هو أهمّ أشكال الحديد استخداما و نفعا ، تُخفّف الشوائب الكربونيّة لتصبح من 0.2 إلى 1.5% فقط ، و الطريقة المستخدمة لذلك كان قد اكتشفها المهندس الإنجليزي هنري بسمر عام 1856م و تقوم على نفث تيارات هوائيّة عبر الحديد المصهور في محلول خاصٍّ لتحويل معظم الشوائب الكربونية إلى غاز ثاني أكسيد الكربون باتّحادها مع أوكسيجين الهواء .
و الفولاذ أشدّ متانة من الحديد و أسهل تصنيعا ، و بإضافة بعض العناصر الأخرى إليه يكتسب متانة أو صمودا ضدّ الصّدّ أو ضدّ الحرارة ، و الفولاذ الذي يحوي 13% من وزنه منغنيزا يتميّز بالصّلابة العالية ، أمّا الفولاذ الذي لا يصدأ فيُنتج من إضافة عنصريْ النّيكل و الكروم إليه .


ملحق #1 24/02/2010 01:59:05 ص
الفرن العالي
يستخرج الحديد من خاماته الصّخرية في أفران الحرارة العالية ، يصل علوّ بعض هذه الأفران إلى 60 مترا و ينتج 10.000 طن من الحديد يوميّا دون توقّف على مدى 10 سنوات متتالية . و يسمّى أيضا الفرن اللافح .
في هذا الفرن تُسفع (يمرر عليها تيار هوائي ساخن) المواد الخام ، المؤلفة من خامات الحديد و الحجارة الكلسية و فحم الكوك ، بتمرير الهواء الحار من أسفل الفرن . و بما أن الكربون أنشط فاعلية من الحديد ، فإنه يتحد بالأوكسجين مع خامات الحديد لينشر أكاسيد الكربون تاركا فلزّ الحديد وراءه نقيّا .
تبدأ التفاعلات الكيميائية داخل الفرن عند تمرير تيار من الهواء الحار جدا ، فيشتعل فحم الكوك مولّدا في البدء ثاني أكسيد الكربون ، ثم أول أكسيد الكربون الذي يعمل على اختزال أكاسيد الحديد منتجا فلزّ الحديد و ثاني أكسيد الكربون .
و بهذا التفاعل الإحراري ترتفع درجات الحرارة داخل الفرن إلى 1900 درجة مئوية فينصهر الحديد و يتجمع في القاع ، ثم يخرج بعد ذلك من مخارج خاصّة ليُنقل إلى مرحلة التصنيع .
و تتراوح نقاوة الحديد المستخرج من الفرن العالي بين 90 و 95% ، و الشّائبة الرئيسية فيه هي الكربون الذي يمتصه الحديد في فحم الكوك ، فيُكسبه صلابة تحدّ من متانته . لذا يُحوّل معظم الحديد إلى فولاذ يحوي أقل من 1.7% من الكربون .

الفرن الأوكسجيني

يمكن تحويل حديد الصّبّ إلى حديد صلب بواسطة إما الفرن الأوكسجيني و إما فرن الغرفة المكشوفة و إما الفرن الكهربائي الأكثر دقّة .
و الفرن الأوكسجيني عبارة عن فرن من الصّلب مبطن بطوب حراري ، و يتم تثبيته بحيث يمكن إمالته لإفراغ محتواه ، و يحمل المعدن (الخردة) و كذلك الحديد المنصهر في المحلول ، و يمرّر تيار من الأوكسجين النقي تحت ضغط عال فوق سطح المعدن . فيحترق الكربون محدثا لهبا ساطعا ، و يتحوّل الحديد بذلك إلى صلب ، و يضاف الجير أثناء ذلك ليساعد على التخلّص من الشوائب ، و تحتاج هذه العملية إلى حوالي 45 دقيقة ، و الصّلب الناتج يحوي 0.1% كربون مقارنة بحوالي 4% في الحديد الصّب .


فرن الحجرة المكشوفة

هو فرن ضخم يتسع لـ 500 طن من المعدن و يستعمل الزيت و الغاز كوقود ، و قي هذه الطريقة لا يقابل اللهب الحديد إطلاقا و لكن الحرارة الناتجة من احتراق الغاز تعكس على المعدن حارقة للشوائب التي تنفذ للخارج من خلال فتحات الغاز ، و تحيتج هذه العملية إلى ثماني ساعات تقريبا ، و خلال ذلك تدرس عينات لمعرفة درجة النقاوة ، ثم تضاف عناصر مختلفة لتكوين السبائك المطلوبة .


الفرن الكهربائي

تصنيع الفولاذ بطريقة الفرن الكهربائي مشابهة لطريقة فرن الحجرة المكشوفة إلا أنه في هذه الحالة يختلف مصدر الحرارة ، حيث أن الكهرباء هي مصدر الحرارة هنا .
و الفرن الكهربائي يستعمل لإنتاج صلب على درجة عالية من النقاء ، و غالبا ما يُغذى الفرن الكهربائي بحديد قد تمت تنقيته مرة سابقة بواسطة فرن الحجرة المكشوفة ، و تصب أنواع كثيرة من الصّلب في قواليب حتى تبرد ، و تعرف الكتلة المتصلبة بالصّبة ، و تشكل في أشكال متنوعة لشحنها فيما بعد ، و تستخدم في أغراض عديدة كقضبان السكة الحديدية و الستائر المعدنية للسيارات و الطائرات