أتدرون من المفلس

المفلس:
يعاني أفرد مجتمعنا اليوم من عدة أمراض ومن بينها مرض غاية في الخطورة ، فهو أخطر من السرطان الذي عجز عنه الطب اليوم ولا يزل البحث جاري في الكشف عن خفاياه ووضع العلاج الناجع له ، غير أنه هناك أمراض أشد فتكا من الأمراض الجسدية ذاك (حب الدنيا ، وكراهية الموت) ، ومن خلال تعاملي مع الناس وبحثي عن مواطن الخلل فيهم والسبب الرئيسي في ضعف وتشتت افراده وانحطاطهم ، وجدت أن أحد هذه الأسباب حب الدنيا ، فبعض الناس اليوم يقدم دنياه على آخرته ، وبالأحرى يشتري دنياه بآخرته ، ومثل هذا ليس بالسوي ، وإلا فكيف يقدم الفانية على الباقية ، ومثل هذا الإنسان تجده يبحث عن مواطن الظهور لكي يبرز نفسه ، تجده يضحي ويطعم الناس ، تجده يصلي ، تجده يصوم شهراً بحاله ، تجده يزكي ، ويحج ويعتمر ، تجده أن تكلم ولي من أولياء الله ، وتجده يعلم الشرع وخبياه ، وتجده وتجده ....... ، ونصيبه من هذا كله تحت الصفر ، لما ؟ ببساطة جداً أقول: ماله حرام في حرام وجمع بالحرام من غصب ونهب وساب أكل أمول الناس بالباطل ظلماً وعدوانا ، يا هذا إن ظننت أن الناس لا تعلم حقيقتك فأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ومثل هذا ينطبق عليه قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «أتدرون من المفلس ؟» قالوا : المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلواته وصيامه وزكاته ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيقعد فيقضي هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن قضيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياه ، فطرح عليه ، ثم طرح في النار» ، وعجباه ممن يبني دنياه ويهدم أخراه !!!! ، أفلا ينظر إلى المقابر أم على قلوب أغفالها ، فلو عملنا مقارنة بسيطة بين مدة حياتهم ومدة رقودهم "مماتهم" فماذا سنجد يا عبد الله ؟؟؟ الجواب معروف طبعاً ، مدة الرقود أطول طبعاً ، أعجب كل العجب من أنسان يصلي ويصوم ويحج ووو.. وعندما نتناقش في عذاب القبر ينكر وجوده نعم "ينكر" وفيه يظهر قوله تعالى ((أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ*هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ*إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ))[سورة المؤمنون:25-37] وقوله تعالى ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ))[سورة الجاثية:34] ، والذي أتحدث عنهم ليسوا من الجهلة "غير المتعلمين" بل قد تجده حاملاً للشهادات والعليا أيضاً ، وعذاب القبر ثابت بالكتاب قال تعالى ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ*كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ*ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ))[سورة التكاثر:1-4] قال ابن عباس فسر قوله تعالى : كلا سوف تعلمون ما ينزل فيكم من العذاب في القبر ثم كلا سوف تعلمون : في الآخرة إذا حل بكم العذاب فالأول في القبر ، و الثاني في الآخرة فالتكرير للحالتين .وهذا ما أشار إليه القرطبي في كتابه "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" وقد نقل لنا صورة حية من عذاب القبر وماهيته ، وسرد الادلة الكثيرة في هذا ، وحبذا لو قرأتموه وتمعنتم فيه ، وختاماً نقول اللهم أهدنا إلى الصوب وحسن الخاتمة ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.