بحـث
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 30 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 30 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 224 بتاريخ السبت نوفمبر 16, 2024 2:47 am
معتقد وديانه ومذهب اجدادنا الاوائل ؟؟؟
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
معتقد وديانه ومذهب اجدادنا الاوائل ؟؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اخوتي اخواتي الاعزاء في منتديات امارة بني حمدان
سبق وان طلبت من المشرف العام على المنتدى ان يعمل على افتتاح منتدى جديد بعنوان"دين ودنيا" في المنتدى الاسلامي لنناقش فيه المواضيع التي تختص بهذا الشان ....والى ذلك الحين دعونا نجيب على عنوان الموضوع ...
ادعوا كل من له المعلومات الصحيحة والموثقه بمصادر حقيقيه ان يقدمها لنا وسنكون له من الشاكرين
من جدنا اسماعيل بن ابراهيم عليهم السلام الى يومنا هذا ....
نقوم ببحث شامل ودقيق لنتعرف على المعتقد والفكر الديني العقائدي لبني حمدان واجدادهم الاوائل ...
ونناقش بعد ذلك اسبابها واصولها وتاثيرها وكل مايتعلق بهذا المعتقد ...
وجزاكم الله خيرا
اخوتي اخواتي الاعزاء في منتديات امارة بني حمدان
سبق وان طلبت من المشرف العام على المنتدى ان يعمل على افتتاح منتدى جديد بعنوان"دين ودنيا" في المنتدى الاسلامي لنناقش فيه المواضيع التي تختص بهذا الشان ....والى ذلك الحين دعونا نجيب على عنوان الموضوع ...
ادعوا كل من له المعلومات الصحيحة والموثقه بمصادر حقيقيه ان يقدمها لنا وسنكون له من الشاكرين
من جدنا اسماعيل بن ابراهيم عليهم السلام الى يومنا هذا ....
نقوم ببحث شامل ودقيق لنتعرف على المعتقد والفكر الديني العقائدي لبني حمدان واجدادهم الاوائل ...
ونناقش بعد ذلك اسبابها واصولها وتاثيرها وكل مايتعلق بهذا المعتقد ...
وجزاكم الله خيرا
ربيع العربو الحمداني- امير مشرف
- عدد المساهمات : 162
نقاط : 5076
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
رد: معتقد وديانه ومذهب اجدادنا الاوائل ؟؟؟
[color=red]ربيع العربو الحمداني كتب:السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اخوتي اخواتي الاعزاء في منتديات امارة بني حمدان
سبق وان طلبت من المشرف العام على المنتدى ان يعمل على افتتاح منتدى جديد بعنوان"دين ودنيا" في المنتدى الاسلامي لنناقش فيه المواضيع التي تختص بهذا الشان ....والى ذلك الحين دعونا نجيب على عنوان الموضوع ...
ادعوا كل من له المعلومات الصحيحة والموثقه بمصادر حقيقيه ان يقدمها لنا وسنكون له من الشاكرين
من جدنا اسماعيل بن ابراهيم عليهم السلام الى يومنا هذا ....
نقوم ببحث شامل ودقيق لنتعرف على المعتقد والفكر الديني العقائدي لبني حمدان واجدادهم الاوائل ...
ونناقش بعد ذلك اسبابها واصولها وتاثيرها وكل مايتعلق بهذا المعتقد ...
وجزاكم الله خيرا
الاخ ربيع العربو الحمداني
مقترحك وجيه ورائع واتمنى له ان يحتل مكانا في المنتدى زيادة في المعرفة والمعلومات التي قد يفتقر لها الكثير منا من هذا الجانب ويا حبذا ان نحصل على كل ماهو مفيد من بعضنا البعض بما لديهم من مصادر صحيحة وموثوقة ومعتمده حول معتقد وديانة ومذهب اجدادنا الاوائل عامة والمعتقد والفكر الديني العقائدي لبني حمدان اجدادنا خاصة .
احييك اخي العزيز على هذا الطلب وان شاء الله ياخذ طريقه على صفحات المنتدى ....
وفقكم الله ودمتم بخير
ابو المعالي الحمداني- امير مشرف
- عدد المساهمات : 376
نقاط : 5706
تاريخ التسجيل : 04/06/2011
الموقع : بغداد
رد: معتقد وديانه ومذهب اجدادنا الاوائل ؟؟؟
قبل ان نتطرق الى البحث والذي اتمنى ان يحمل تسلسل وتدرج تاريخي منطقي ..
انقل لكم مقال مهم جدا يتحدث عن نشأة السلفية في الموصل في العصر الحديث فاتمنى من الجميع التركيز على الاحداث والاسباب جيدا لناخذ فكره عامه عن مذهب سكان مدينه الموصل ...
اتترككم مع المقال المنقول من احد المنتديات التي لاتزال تناقش امره
في القرن العاشر للهجرة استولى العثمانيون على العراق , وكان ينازعهم في هذا الصفويون , ودارت بينهما حروب دامت أكثر من قرن , لاقت البلاد خلالها كثيراً من المصائب والأوبئة والمجاعات .
وجعل الطرفان لنزاعهما صبغة دينية , لكي يغروا بالشعوب البسيطة إلى الحرب . فالصفويون يعتبرون الشاة حامي المذهب الشيعي , والعثمانيون يؤيدون المذهب الحنفي , الذي يجيز الخلافة في كل شخص تتوفر فيه شروط الخلافة وصار الخليفة العثماني حامي السنة . وبلغ الأمر بينهما أن كل دولة منها كانت تكفر الثانية , بما أصدروه من الفتاوى الباطلة , والمقالات المزيفة والإسلام براء من هذا كله.
وسعى العثمانيون بنشر المذهب الحنفي , لتعزيز حكمهم , ففتحوا المدارس ودور الحديث التي يدرس بها الفقه الحنفي فتقدمت العلوم والآداب وقد بسطنا القول عن النهضة العلمية التي أعقبت فتح هذه المدارس في الموصل في مقال لنا وان العثمانيون لايعينون القضاة ورجال الإدارة إلا من أتباع هذا المذهب . وشجعوا صحاب الطرق الصوفية , فشيدوا لهم التكايا , وعينوا الشيوخ , ورصدوا الأوقاف التي تصرف على إدامة التكية , والنفقة على من فيها .
فنشطت الطرق الصوفية, وعظم شأنها في البلد , وقصدها الناس على اختلاف طبقاتها لحضور حلقات الذكر , ومجالس الوعظ والإرشاد ودروس الفقه ودروس الفقه والتفسير والأدب , التي تعتقد فيها كل يوم .
وساعدت التكايا على تهذيب الشباب , وإرشادهم إلى الخير والفضيلة والتمسك في الدين الحنيف , وإطاعة أولي الأمر, والالتفاف حول الشيخ , والانصياع إلى ما يقوله ويفعله ( وازدحمت التكايا بالمرداء والقاصدين الذين يؤمونها ) وحتى العلماء والأدباء , فأنهم كانوا يتردون إليها , وينتسبون إلى المشائخ لكي يعتزوا مكانتهم عند الناس وأرباب الحكم .
وصارت التكايا محافل تلاوة ومجالس وعظ وإرشاد , وحلقات ذكر وتسبيح ,ومدارس فقه وأدب.
وأكثر الطرق انتشاراً في الموصل: هي النقشبندية , والقادرية , والرفاعية والبكتاشية , والشاذلية , وألخلوتية .
وسعى المشائخ في تجديد مراقد الأئمة والصالحين , وساعدهم على هذا أرباب الحكم , وأهل الثراء . لكي يدعمو مكانتهم عند الناس , فجددوا كثيراً من المراقد القديمة , وشيدوا مراقد جديدة فوق قبور الصالحين , وبنو الجوامع والمساجد التكايا بجانب قبورهم مثل : جامع الشيخ محمد الزيواني ( جامع باب البيض ) وجامع الشيخ محمد , وجامع النبي شيت , وجامع المحمودين , وجامع السلطان أويس , وجامع جمشيد , ومسجد المتعافي , وجامع منصور الحاج وغير هذا مما سيذكره المؤلف .
فكثرت المراقد والمشاهد والزيارات في الموصل, وقصدها الناس للتبرك بها, والدعاء عندها.
وخلف بعض أصحاب الطرق من غرتهم مراكزهم المرموقة, ومجالسهم الحافلة, فاستغلوا أمر الدين لمقاصدهم الدنيوية, وسخروا إتباعهم لمطامعهم, وأوقعوا التنافس بين أمثالهم من أصحاب الطرق. وترفعوا عن مستوى الشعب . وأدعو الولاية والكرامات , وتقبلوا النذور والهدايا . فافسدوا من كان يترد إليهم ويأخذ عنهم . وكان القومة على المراقد قد اتخذوا زيارة المرقد مغنماً , بما يشرطونه من النذور والهدايا , وجعلوا لكل مرقد يوماً للزيارة , ولبعض المراقد خواص يقضيها , من تفريج الكروب , وأزله لهم , والفتك بالظلم , وقضاء الحاجات : من تزويج وطلاق وأولاد , وذلك لقاء نذر يقدم بعد قضاء المراد .
نجد بجانب هذا جماعة من العلماء العالمين , الذين ساءهم ما يفعله بعض الشيوخ من البعض والضلال , فاخذوا يدعون إلى تحرير الأفكار , والرجوع إلى فجعلوا من المراقد والمشاهد محلات مقدسة , يلجأ إليها الناس في طلب قضاء الحاجات .
وفي زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني 1239 / 1327 هـ = 1876 / 1909 م نشطت التكايا وعمرت بعض المراقد والزيات , ذلك لأن السلطان المذكور , قرب المشائخ وأرباب الطرق , وفتح لهم التكايا في كثير من المدن التي كانت تابعة للدولة العثمانية ( ومنها الموصل ) وجدد مراقد بعض الصالحين , ومشاهد الامئة والتابعين فنشطت التكايا مدة خلافته .
ويضهر لنا مما تقدم : أن تشييد أكثر المقامات والمشاهد كان لغاية سياسية , فأن رجال الحكم الذين كانوا الذين كانوا يريدون أن يعززوا حكمهم , ويجعلوا له صبغة دينية , فأنهم كانوا يقربون أرباب الطرق , ويشيدون المراقد والمشاهد ويظهرون التقوى للناس ( ويجعلون لحكمهم صبغة دينية ) ( ).
وكان للمفتي دور في الحياة العامة حيث يأتي المفتي بحسب الأنظمة العثمانية ، في الدرجة الثانية من الجهاز القضائي للولاية ( )، فللمدينة مفتيان أولهما حنفي على المذهب الرسمي للدولة ، والآخر شافعي( ) ، ويقوم كل منهما بمساعدة القاضي وتبيين وجهة نظر الشريعة الإسلامية في شتى المعاملات الحقوقية ( )، ولما كانت طبيعة منصب الإفتاء تؤهل صاحبه للوصول إلى رتبة القضاء فقد كان أغلب قضاة الموصل خلال هذا العهد من المفتين السابقين وكثيراً ما احتفظ هؤلاء القضاة بوظائفهم السابقة إضافة إلى منصبهم الجديد فجمع الشيخ علي الغلامي الشافعي بين المنصبين ، ولما مرض استعفى من القضاء فتركه واستمر على الإفتاء إلى أن مات ( ) . وعلى عكس هذه القاعدة كان من الجائز أحياناً أن يلي رجل القضاء قبل تولية الإفتاء فالسيد حسن أفندي بن إبراهيم ولي القضاء سنة 1186هـ/1772م ثم ولي الإفتاء سنة
1189هـ/1775م وجمع بين القضاء والإفتاء ( ).
ومن الملاحظ أن الإفتاء ، خضع هو الآخر إلى قانون الوراثة الذي كان يلعب دوراً مهما في تكوين مؤسسات ذلك العهد ، فلم يكد يخرج منصب المفتي الحنفي طيلة عهد الجليليين عن ثلاث أسر موصلية شهيرة هي : آل العمري ، وآل ياسين ، وآل الفخري الأعرجي ، في حين توارثت أسرة آل غلامي منصب مفتي الشافعية جيلاً بعد جيل ،وليس أدل على أهمية هذا المنصب أن مفتي الحنفية السيد يحيى فخرالدين كان الناطق الرسمي بلسان والي الموصل وشعبها أثناء حصار نادر شاه عام 1156هـ /1743م ، وتدل ألفاظ الاحترام والتوقير التي أطلقها الأخير على ذلك المفتي في رسالته الشهيرة إليه( ) على مدى أهمية منصب الإفتاء في تلك العهود ، وكان علي بن مصطفى الغلامي مفتي الشافعية أحد الثلاثة الذين خرجوا من المدينة أثناء الحصار ليُبرموا الصلح مع نادرشاه وكان المفتي يتدخل أحياناً في الحياة السياسية للولاية ، فكان له أتباع يعاضدونه في الفتن الناشبة في المدينة ( )،كما كان يقوم بالتوسط لعقد الصلح بين الأطراف المتنازعة ( ) .
قد تصدى للبدع التي انتشرت العلماء والولاة:وانقسمت البدعة إلى أنواع عدة منها:
1ـ قسم من تصدى للبدع كان موفقا سياسيا:من ذلك التصدي لبعض البدع التي تمت إلى التشيع بصلة نتيجة الصراع السياسي والعسكري للسيطرة على مدينة الموصل بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية فكان تحارب هذه البدع لكي لا تعطي أرضا خصبة للتمدد الصفوي في هذه المدينة .جاء في الدر المكنون في حوادث سنة1059هـ : كان شرفاء الموصل يعملون المآتم في يوم عاشوراء , ويحملون التابوت ,ويطوفون في الأسواق والأزقة ,فأمر عثمان بن الحاج علي بن الحاج قاسم العمري أهل محلته فضربوهم وقتلوا منهم رجلا ,وأبطلوا تلك العدة ,فاشتكى الشرفاء في الدولة ـ وكانوا قريبين من بيوت العمرية فنقلهم السلطان غالى جهة الخراب من الموصل نواحي قره سراي ,وعملوا لهم أملاكا وسكنوها,وأبطلت تلك الفتنة .واستمر التصدي لمثل هذه المظاهر كثير وذكر محمد أمين العمري بقوله:وقد وفق الله الوزير المفخم سليمان باشا دام عزه إلى قمع هذه البدعة فلم يبق منها إلا قليل .
2ـ التوسع في الدفن بالمساجد :على الرغم من أن في هذا العهد كثر بناء المساجد إلا انه مقابل ذلك كثر التوسع في الدفن فيها فكل من بنى مسجدا نراه دفن فيه ثم أعقبته ذريته من بعده من ذلك جامع العمري وجامع الباشا وغيرها.
3ـ استغلالها من قبل البعض :وكتب في ذلك الحاج عثمان بك بن سليمان باشا الجليلي مقالات وتعليقات كثيرة على الذين سخروا الطرق الصوفية لمصالحهم الدنيوية ,وألف رسالة رد فيها على الشيخ خالد النقشبندي ,مجدد الطريقة النقشبندية في العراق اسماه(تحرير الصواب)وحمل على طائفة الدراويش وأصحاب التكايا بجد ونشاط وكان مما قال بهذه الصدد:
إذا قلـت يومـا امنـوا بمحمد فقل انزل الله الكتاب لمن يشعر
ولاتقتفـوا آثـار قـوم أضلهم شياطينهم فالدين سهل لمن يبصر
يقـولون نخشى أن نصاب بجاهنا وأرزاقنا,فاترك ملامتنا واعذر
فقلـت إليكم أنني لست مرسلا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
4ـ التوسع في البدع : ومن بدعهم ما اعتادوه من الكتب أوراق صغار كثيرة بوداع رمضان ,وسؤاله قبوله تعالى لصيامهم ,وبيان مزية الصوم الصلاة , وقيام رمضان ,ويلقونها من سطح الجامع ,وفي فنائه الجم الغفير يلتقطونها بقصد التبرك في أخر جمعة منه,فيشوشون على الإمام خطبته ,ويحولون بين الناس وبين سماع الخطبة بكثرة الضوضاء ,والأصوات العالية ,ويتواقعون عليها ,ويتدافعون التدافع البليغ فتسقط عمائهم ,وتتمزق ثيابهم ,وفيهم الشيوخ والكهول والأولاد والصغار .وقد أزال الوزير المفخم هذه البدعة فلم يبق منها إلا اثر يسير وهو أنهم يفعلونها بعد الصلاة .وذكر محمد أمين العمري : ـ أن الغالب على مردي الشيخ يونس سيالة الجهل بالمسائل الفقهية مع الخبرة التامة بأحوال الطريق ,وأحوال رجالها ومن تلامذته السيد عمر الحداد واتفق له أن عمل توحيداً (حلقة ذكر ) يوماً من الأيام ,وأمر تلامذته بضرب الخناجر والدنابيس في بطونهم فانخرطت بطن واحد منهم وحاول التئامها بكل وجه يعرفه فلم ينفع شيئا ,ومات المجروح وانهزم السيد عمر إلى ديار بكر ,فأنكروا عليه أحواله, فدخل في تنور فكفوا عنه .ومات قبل 1170 هـ وكان العلامة صبغة الله الحيدري ينكر عليهم هذه الخصلة.
وقد أدى ازدياد الأوساط المثقفة في الموصل لواقعها إلى ظهور المحاولات الإصلاحية القوية . فمنذ منتصف القرن الثامن عشر تقريباً ، أخذت الحركة الفكرية في الموصل تهتز اثر قيام حركة سلفية نشيطة اتخذت من مقاومة نفوذ المشايخ وتقديس مراقد الأولياء هدفا رئيسيا تسعى نحو تحقيقه ، فكانت تلك أول حركة سلفية شهدتها البلاد الإسلامية في العصر الحديث .
وكان من ابرز رجال الدعوة الجديدة الداعين إلى نبذ الخرافات والبدع الملا احمد بن الكولة .
وهو فقيه زاهد عارف بالتصوف له أتباع ومريدون وتكية يجتمع فيها عنده الناس لاستماع دروسه ومواعظه .
وفي العقد الثالث من القرن الثامن عشر جهر ابن الكولة بدعوته لأول مرة حيث بحث نبوة جرجيس والمح إلى إنكارها بسبب وجود تسع علل فيها فأثار بذلك موجة من الاحتجاج ضده سرعان ماانتقلت إلى المدن المجاورة فانبرى علي بن مصطفى الدباغ الحلبي يرد عليه في كتاب اسماه ( إتحاف الأنام بأخبار سيدنا جرجيس عليه السلام ) ثم بعث بكتابه إلى الموصل مرفقا بقصيدة طويلة عدد فيها معجزات جرجيس واهميته . ووصلت أزمة ابن الكولة إلى ذروتها في الموصل ، عندما تألب عليه المشايخ وأصحاب الطرق وشكوه إلى والي الموصل وكان يومذاك الحاج حسين الجليلي فأرسل إليه يأمره بالتوبة من هذا الإنكار وتختلف الروايات في حقيقة موقف ابن الكولة بعد ذلك ففي حين يؤكد ياسين العمري انه تاب وأناب نجد أن أخاه أمين العمري يذكر بأنه أصر على موقفه وعلى أية حال فليس ثمة دليل على أن هذه الدعوة قد خمدت وان الولاة الجليليين اتخذوا أية خطوة جدية ضدها رغم أنها كانت تجري تحت سمعهم وأبصارهم فاستمر ابن الكولة في حملته ضد المقامات والمشاهد ومن يتخذها وسيلة للكسب إلى أن توفي عام 1173هـ /1759م . ويبدو أن هذه الحركة الفكرية الجديدة لم تعدم مناصرين وأتباعا ومؤيدين فما لبث أن حمل رايتها بعد ابن الكولة ، ابنه الشيخ محمد وكان هذا على معاصريه مفرط الذكاء حافظا متقنا لم يفته فن من الفنون النقلية والعقلية إضافة إلى إتقانه علم الفلك . واستمر في دعوة أبية , وتوسع فيها حتى غدا ( شديد الإنكار على جميع الأولياء) وجاهر في نقده لشيخ الصوفية الأقدمين , مثل الشيخ محيي الدين بن عربي , والشيخ عبد القادر الكيلاني , فتألب الناس ضدة , وسافر إلى بغداد ليشترك في مؤامرة ضد وأليها . ولما فشلت المؤامرة غادرها إلى ديار بكر حيث تقلد القضاء فيها , ثم تقلد القضاء في الموصل , وصار له مؤيدون وأتباع . وبذلك انقسم المثقفون الموصليون إلى فريقين , فريق محافظ لازال متأثراً في الطرق الصوفية , وبروح العصر التقليدية , وفريق سلفي تأثر يدعوا إلى نبذ تقديس الأولياء ويجاهر في مقاومته للطرق الصوفية , بالحط من مكانة مؤسسيها وزعمائها . وجمع فريق مستطاع من الجج للدفاع عن مبادئه , وألف المحافظون كتباً هامة في الرد على الدعوة الجديدة فكان ذلك من بواعث حركة التأليف عند الكتاب . وشاعت الرغبة في البحث في تراجم الأولياء, بعد أن كانت مكانتهم أمراً مسلماً لا يحتاج إلى البحث وتنقيب , فكانت هذة الرغبة هي السبب الحقيقي وراء ترجمة كتاب ( تذكر أولياء بغداد ) إلى العربية , والى دفع محمد أمين العمري إلى تأليف كتابة سنة ( 1210 ) وأسماه ( منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء ) ليفرد فيه فصلاً خاصاً في ( بيان كرامات الأولياء , والرد على من أنكرها من الجهلاء ) وقد افرد أخوة ياسين العمري فصلاً طويلاً في كتابة ( منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء ) للبحث في التراجم هؤلاء الأولياء , على أن الدعوة ما فتئت تكسب إلى صفوفها أنصاراً جدداً ومال بعض المحافظين إلى الأخذ بوجهة نظرها بغية إصلاح الوضع المتردي للطرق الصوفية القائمة آنذاك , فكتب محمد أمين العمري كتاباً آخراً اسماه ( الكشف والبيان عن مشايخ هذا الزمان ) وذكر في المقدمة وضع هذا الكتاب فقال : الحمد لله الذي أسبل ذيل سترة على عباده , وكشف ظلمات الخطب وإمداده .. اللهم بك نستعين على فرقة جهلوا الصراط المستقيم .. أرادوا سلوك طرق الحق , فعميت عليهم مقاصده وأبتدعوا لهم بدعا ما هدت عن السلف وهم مشايخ هذا الأبان , ومريدوا هذا العصر والزمان وقد وضعن فيهم هذه الرسالة الكاشفة عن مخفيات مصانعهم ,
المكسده لتجارتهم وبضايعهم والكتاب هو :
المقدمة : في حقيقة التصوف وتعريفه .
الفصل الاول : في بدعهم التي ابتدعوها .
الفصل الثاني : في حماقتهم وجنونهم .
الفصل الثالث : في أسئلة وأجوبة لهم , وكرامات ودعوى كاذبة .
الخاتمة : في كرامات الأولين السابقين والمشايخ الصالحين . والمؤلف ينتقد المبتدعة من المشايخ الذين استغلوا المشيخة وجعلوها طريقاً وسلماً لمقاصدهم الدنيوية , وقد بين ما ابتدعوه من البدع , وحماقتهم التي ادعوها , وجنونهم المصطنع . واشتدت هذه المعركة , وتفاوت الناس في درجة اعتدالهم وتطرفهم إزاء أثارته من تيارات فكرية متعددة وقد ألف يوسف بن الجليل الكردي القادري ( ت1241 ) كتاباً أسماه الانتصار للأولياء الأخيار ,يتضمن فصلا كبيراً في تراجم أولياء الموصل وأخبار كراماتهم كما يتضمن فصولاً أخرى ناقش فيها المؤلف موقف سلفيي الموصل المناوئ للطرق الصوفية فهو بذلك يعكس صورة لإحدى جوانب الحياة الفكرية في الموصل , وقد لاحظ أن هناك ثلاثة أقسام : من منكري مشايخ الصوفية :
القسم الاول : متطرف ينكرون على مشايخ الصوفية , ومن ينتمي منهم , ويسيئون الظن بهم ويطعنون فيهم وينكرون كرامتهم .
القسم الثاني : اقل تطرفا يكذبون كرامتهم أولياء زمانهم ويصدقون كرامات السابقين .
القسم الثالث : يصدقون بأن لله تعالى أولياء لهم كرامات ولكنهم يصدقون بواحد من أهل زمانهم( ).
وبينما كانت الأزمة في بدء احتدامها , كان محمد بن عبد الوهاب , (الذي أسس المذهب الوهابي فيما بعد ) قد حل بالموصل للدراسة في مدارسها ومساجدها , وهو لما يزال ( يومذاك ) شابا يافعاً يسعى لطلب العلم فتلمذ على يد الشيخ احمد ألجميلي الموصلي ( 1756 م / 1170هـ ) وكان هذا من ذوي ( الخط الأوفر عند الملوك والقبول التام ) فأتيح للطالب الشاب أن يعاصر أزمة نبوة جرجيس الذي أثارها احمد بن الكولة وأن يعيش وسط تلك المعركة الفكري التي شهدتها الموصل في ذلك العهد ولا ريب في انه كان لهذا الظرف أثرة الكبير والفعال في نفس محمد بن عبد الوهاب للتشابه التام بين أرائه التي دعا إليها فيما بعد , وبين مبادئ سلفي الموصل الدعاية إلى نبذ زيارة القبور وبناء القباب وتكبير العمائم وتوسيع الثياب للعلماء ووضع الستور والعمائم والثياب على الأضرحة والاستعانة بجاه أصحابها والتمسك ( بدل ذلك ) بالقرآن والسنة فقط .
في القرن العشرين :
تمكنت في الموصل كالحواضر العربية الاسلامية الاخرى ، طرق للصوفية كان من اشهرها : النقشبندية والقادرية والرفاعية التي حفلت تقاليدها في القرون المتاخرة بالمزيد من الطقوس والبدع والخرافات والدروشة في مختلف الاوساط الشعبية، وكثرة الاولياء والشيوخ الذين تمكنوا من قلوب وعقول الناس الذين يقلدونهم ويطلبون منهم الدعاء والبركة ، وتنهال عليهم اعطيات الناس بحسب طلب حاجياتهم وأصبحت لمراقد الأئمة والأنبياء مكانة خاصة يزورنهم لنيل طلبا للشفاء من مرض أو عاهة أو الإيفاء بالنذور أو للدعاء بما يصل بالحياة كالعقم والحب والزواج وغير ذلك. ولازالت آثار تلك التقاليد باقية حتى الآن .
إن انتشار الطرق الصوفية وتكريس الممارسات الجديدة لأصحابها والتبرك بالأولياء ، قد أثار حفيظة علماء الدين واتهموهم بالشعوذة.
في الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية ترعى أصحاب الطرق الصوفية وتشجيعهم بغية بسط نفوذها تحت حكم السلطان إن غلو أصحاب الطرق الصوفية بما يتنافى وجوهر الإسلام مهد لفكرة السلفية في النصف الاول من القرن الثامن عشر الميلادي في الموصل إبان العهد الجليلي 1726-1834م. فكانت بذلك أول حركة سلفية شهدتها البلاد الإسلامية في العصر الحديث. وقد سعدت إلى تخليص الإسلام مما دخل عليه من الشوائب والعودة به إلى الأصول الأولى ، والحد من نفوذ المشايخ وتبرك الأئمة ومراقد الأولياء. وبخاصة التبرك بضريح نبي الله جرجيس ( عليه السلام ) في الموصل. حيث كان لهذا النبي لدى أهالي الموصل حظوة كبيرة ، وكان قد كُتب على باب جامع النبي جرجيس البيتين التاليين :
زر حضرة ملئت نوراً وتقديساً وأقصد نبي الهدى ذو المجد جرجيسا
ماجاءه قاصداً يشكو ملمته إلا ونفَّس عنه الكرب تنفيسا
ظهور الشيخ احمد بن الكولة وابنه الشيخ محمد الكولة :
ان أول من تصدى للطرق الصوفية ودعا للفكرة السلفية ، هو الملا احمد بن الكولة (ت 1173هـ /1759م )الذي قال عنه صاحب المنهل : الشيخ ملا احمد بن الكولة أشتهر بهذه التسمية لأن أباة أو جدة عتيق لبعض أهل الموصل , كان زاهداً , ورعاً , فقيها , عارفاً بالتصوف له إتباع وطلبة ومريدون , وتكية يجتمع فيها عنده الجم الغفير للسماع واستفادة العلم .
وبدأت دعوة بن الكولة حينما أنكر نبوءة النبي جرجيس ( علية السلام ) , فضجت الموصل بهذا الإنكار , وكادت تحصل فتنة , ولما تناهى الخبر أسماع الحاج حسين باشا ألجليلي والي الموصل أرسل إلية يأمره بالتوبة والاستغفار.
ويبدو أن هذه الدعوة لم تخمد وان الولاة الجليليون لم يتمكنوا من فعل شيء يؤيد هذه الدعوة وحينما توفي الشيخ احمد بن الكولة ، خلفه ابنه محمد بن الكولة في حمل لواء الدعوة ، متنكراً لإعمال الطرق الصوفية ، وباغضاً مشايخهم وجاء في غرائب الأثر عنه انه شديد الإنكار على جميع الأولياء . وقال عنه صاحب غاية المرام :
محمد أفندي ملا احمد الشهير بابن الكولة الموصلي ، علامة عصره في جميع العلوم المنطوق والمفهوم له اليد الطولى بعلم الزيج سافر الى بغداد سنة ( 1191 هـ / 1777 م) أيام ظهور الفتن في بغداد فأنسلخ المترجم من زمرة العلماء وتابع محمد كهيه وإبن محمد خليل , كان يحظر مجالسهم ويحرص أتباعه إلى الفتن حتى ولي بغداد الوزير سليمان باشا فخرج من بغداد هارباً وللنجاة طالباً وقدم إلى الموصل ثم سافر إلى الروم واتصل برجال الدولة وتقرب حتى ولي القضاء في عدة بلاد ثم ولي قضاء ديار بكر سنة (1208هـ/1793م) فقدم اليها بحشمة ووقار,ثم بعد سنة ولي قضاء بغداد فقدم إلى الموصل وأقام بها ثلاثة أشهر ثم توجه إلى بغداد فأقام بها شهرين ورجع إلى عناده وفعله فبلغ ذلك سليمان باشا فنفاه من بغداد فقدم إلى الموصل وتوجه إلى الروم وكان على ما قيل ينكر على السادات الصوفية ويتكلم على الشيخ محي الدين بن العربي بما لا يليق ,وينسبه إلى الزندفة ".
يستفاد من روية صاحب غاية المرام أن السلطة قد أيدته فيها ذهب اليه في دعوته,وهذا يتناقض مع توجهاته الدينية فالمعروف أن الدولة العثمانية وان كانت سنية على المذهب الحنفي إلا أنها شجعت الطرق الصوفية طالما لا يشكلون خطراً عليها .ان استمرار هذه الدعوة أوجد صراعاً حاداً بين السلفين المجددين والداعين إلى العودة بالإسلام إلى نقائه الأول ,وبين أصحاب الطرق الصوفية المتشددين بالإبقاء على ماهو موجود.ويعكس هذا الصراع موقف الأدباء الذي تأرجح بين الوقوف إلى جانب المتصوفين , وبين الميل إلى الدعوة الجديدة . فقد لازم محمد أمين الخطيب العمري (ت:1203هـ/1788م) مجالس المتصوفة وأنتسب إلى الشيخ عثمان الخطيب الأسود (ت:1190هـ/1776م) وأخذ عنه الإجازة العلمية بالطريقتين القادرية والنقشبندية .والذي ألف كتابه "منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء " . بقصد بيان كرامات الأولياء والدفاع عن المتصوفة ,حيث يقول :"وعقبت المقصد المطلوب بخاتمة في بيان كرامات الأولياء والرد على من أنكرها من الجهلاء ".
وكذلك الأمر بالنسبة إلى أخيه ياسين الخطيب العمري (ت:1232هـ/1816م) الذي تتلمذ أيضاً على الشيخ عثمان الخطيب الأسود ,وأجيز الإجازة العلمية بالطريقتين القادرية والنقشبندية , وألف كتاب "منية الأدباء في تأريخ الموصل الحدباء" وقد خصص فصلاً كاملاً للتحدث عن فضل هؤلاء الأولياء ومراقدهم في الموصل .
ويبدو أن محمد أمين الخطيب العمري قد أجاز في النهاية إلى جانب المجددين أصحاب الدعوة السلفية , فألف كتاب "الكشف والبيان عن المشايخ هذا الزمان " يرد فيه على أصحاب البدع في زمانه ,فقد جاء في مقدمته: "أرادوا سلوك طرق الحق فعميت عليهم مقاصده وإبتدعوا لهم بدعاً ما عهدت عن السلف , وهم مشايخ هذا الإبان ومريدوا هذا العصر والزمان".وأوضح في المقدمة حقيقة التصوف وتعريفه وعالج في الفصل الأول والثاني بدعهم التي إبتدعوها ,أما الفصل الثالث فقد ضمنه أسئلة وأجوبه لهم في الخاتمة بين كرامات اللأولين والسابقين والمشايخ الصالحين . كما وفق إلى جانب المجددين الشيخ عثمان بك الحيائي الجليلي ,وألف رسالة يرد بها على المشعوذين ويفند أقاويلهم ,أسماها "دين الله الغالب على كل منكر مبتدع كاذب "لأنه قد رأى بأم عينه "المعاصي قد كثرت وشاعت ,والبدع قد ظهرت وذاعت والشريعة قد هجرت وضاعت وصارت السنة بدعة والبدعة سنة ... وأمتد هذا الحال إلى أن أشرفت القواعد الشرعية إلى التعطيل ومالت القوانين الإسلامية إلى التبطل ومشى الناس على أهوائهم الفاسدة وعقولهم الكاسدة ".
ومهما يكن من أمر , فإن الدعوة الجديدة , قد لقيت تشجيعاً من جمهور العوام من الناس إذ ظهرت "ثلاثة أقسام من منكري مشايخ الصوفية, فقسم متطرف ينكرون على المشايخ الصوفية ومن ينتمي منهم ويسيئون الظن بهم ,وقسم أقل تطرفاً يكذبون كرامات أولياء زمانهم ويصدقون كرامات السابقين ,والقسم الثالث يصدقون بأن الله تعالى أولياءهم كرامات ولكنهم لا يصدقون واحد معين من أهل زمانهم ".
الاتجاه السلفي الديني في الموصل في القرن العشرين :
ولقد كان ابرز من مثل هذا الاتجاه في العقود الاولى من القرن العشرين : الشيخ عبدالله النعمة والشيخ عثمان الديوه جي وعبدالله الحسو وصديق الملاح .
تعود جذور هذا الاتجاه امتداداً للدعوة السلفية التي تبناها الشيخ احمد بن الكولة ( ت 1759 ) وجماعته في الموصل أنكر تقديس الأولياء وقبورهم وما نرافق بعضها من مظاهر التذلل والضعف. ولقد كان ابرز من مثل هذا الاتجاه في العقود الأولى من القرن العشرين : الشيخ
عبد الله النعمة ( 1874-1950م ) والشيخ عثمان الديوه جي (1868-1941م ) والشيخ احمد الديوه جي ( 1869-1943م ) والشيخ عبدالله الحسو (1890-1960م ) وغيرهم .
تلاميذ النعمة : احمد سعدالدين زيادة ، وسعيد الحاج ثابت ، وإبراهيم عطار باشي ، وسعيد الجوادي ، وضياء يونس ، ومحمد رؤوف الغلامي وغيرهم .
عبدالله النعمة ( 1874-1950م )
لقد نجح الشيخ عبدالله النعمة في إرساء دعائم مدرسة إصلاحية إسلامية بعد أن درس على اشهر علماء الموصل وتسنى له أن يقوم بمهام التدريسات الدينية والمشاريع الإصلاحية وكان وتمكن من الإطلاع على أجوال المسلمين ( ). ولما تشكلت المدرسة الإسلامية عام 1919 اختير مديرا لها فنهض بها . وواكب تطورها . كما ترأس جمعية البر الإسلامية وجمعية الشبان المسلمين سنة 1928 م اللتان لعبتا دورا فعالا في التوعية الدينية في الموصل ( ).
لقد كان الرجل سلفيا صريحا وداعية إلى إصلاحات دينية ولكنه لم يتقيد بمذهب ولم ينتسب الى طريقة صوفية ( ).
إن جرأته في مواجهة الأمور وإرشاد سامعيه ونبذه للبدع والخرافات عرضته للمخاطر ، فحينما ينهي الأهالي عن القيام بالتمسح بالقبور أو الستور المسدلة عليها ويدعو إلى رفع القباب عن القبور ، انبرى له احدهم وقال له متوعدا سوف نتواجه عن قريب ( ).
كما اختلف مع المفتي محمد حبيب العبيدي الذي تزعم العلماء المناوئين للشيخ النعمة الذي كان يتهمه بالوهابية ، وكان اغلب الناس والعامة بشكل خاص وراء النعمة وان الخلاف بينه وبين العبيدي بلغ أحيانا حد الفتنة ، لولا تدخل العقلاء وتقريب وجهات النظر في مؤتمرات تعقد بين الشخصيتين . ومن المعتقد إن لهذا الاختلاف أسباب اجتماعية عميقة في الزعامة الدينية لكل منهما في مدينة الموصل ( ). توفي في الموصل بتاريخ 17/8/1950بعد حياة حافلة بالإصلاحية الدينية الجادة ( ).
عثمان الديوه جي ( 1868-1941م)
ترسم الديوه جي خطى السلف الصالح في نهجه ودعا إلى العودة بالإسلام إلى أصوله وكان مصدر قوله وعمله هو كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح كما دعا إلى تهذيب الأخلاق وإصلاح أحوال المسلمين والى التحرر من القيود التي سادت المجتمع من جراء ابتعاده عن التعاليم الإسلامية ( ). وعبر الشيخ الديوه جي عن آرائه السلفية بجرأة فائقة لايخشى شيئاً وبسبب آراءه أصبح ثمة جفاء بينه وبين المتصوفة نظراً لنبذه البدع والانحرافات في الإسلام ( ). وبقي الشيخ عثمان محافظاً على نهجه داعياً إلى الإصلاح حتى وفاته في الموصل بتاريخ 27/2/1941م ( ).
عبدالله الحسو ( 1890-1960م )
وتبعاً للمعتقدات التي سادت زمانه فقد نشأ الشيخ الحسو صوفي المشرب في فترة شبابه الأولى ( ). إلا انه اطلع في هذه المرحلة من حياته على كتابات ابن تيمية وابن قيم الجوزية ومحمد عبد الوهاب مما أحدث تغيرا في مشربة هذا فتحول نحو الاتجاه السلفي. وقد أعقب ذلك قيامه بتأليف " رسائل " ينتقد فيها الأعمال الداخلية على الصوفية والتي لا تمت إلى العقيدة الإسلامية بشيء. في وقت كان يتنازع مدينة الموصل اتجاهان : الاول صوفي تقليدي والثاني : سلفي إصلاحي , مما عرض الشيخ الحسو إلى حملات قاسية كالتي لاقاها زميلة الشيخ عبد الله النعمة , وصلت إلى درجة سرقة إجازته العلمية وإتلافها من قبل العناصر الصوفية المتنفذة في المجتمع الموصلي ( ).
اتخذ الشيخ عبد الله الحسو من مهنة التدريس في المدارس الدينية وسيلة لنشر رسالته وأفكاره الصلاحية الدينية التي آمن بها , إذا كان يدرس في مدرسة الرضواني ثم في مدرسة الرابيعة ( ). كما عين خطيباً في جامع شهر سوق. وقد اتخذ من خطبته وتدريساته وسيلة في الدعوة إلى الرجوع بالإسلام إلى مادعاه السلف الصالح والى التمسك بالكتاب والسنة , إلى جانب قيامة بنشر الكتب والرسائل الدينية التي تعبر عن نهجه السلفي , والتي كان يهدف من ورائها تصحيح العقيدة والقضاء على البدع والخلافات, في وقت عاشت فيه الموصل حالة صراع شديد بين المتصوفة والإصلاحيين . ونظراً لما تعرض له الشيخ الحسو من مضايقات وسط الظروف الدينية التي سادت المدينة فقط كان ينشر تارة باسمه الصريح ( )وأخرى باسم مستعار ( ). كما جعل حقوق الطبع مسبلة ( )لغرض نشر فكرة وأعمام الفائدة للمسلمين اجمع وكانت اغلب رسائله تطبع في مصر. كما اتخذ من " المقالات " التي يرسلها إلى المجلات المقالات في مجلة " التمدن الإسلامي " الصادر في دمشق ومجلة " الهدى النبوي " الصادر في القاهرة ومجلة " الحج " الصادر في مكة المكرمة( ).
لقد عبر الشيخ حسو عن معاناته وما كابده في رسم طريقة البدع .. واعلموا, إني لم اقصد هذا إلا النصح لطالب الحق .. ولا اقصد تكفير أحد من المسلمين.. ( ) وعن هدفه في الإرشاد والإصلاح ونشره للأفكار السلفية أوضح قائلا : أحاول أن اكشف عن بصائر الناس غشاوة الجاهلية التي أوقعتهم في الكفر ( ).
واخذ الشيخ الحسو ينشر أفكاره ويحذر الناس من الجهالات فكان يرى أن اتخاذ الوسائط بالتقرب إليها وبالطواف حولها وحول قبورها موجب لهلاك الأمة ( ). وقد أنكر الحسو التبرك بالأولياء وأنكر بعض الأدعية التي كان ينغم بها المؤذنون في الجوامع ( ). وعد الرسل والأنبياء وسائط بين الله وبين عباده في تبليغ الأحكام فقط لا في جلب المنافع ودفع المضار ( ).
وقد أنكر ماينسب من قبل العوام على مايطلقون عليه تسمية القطب أو الغوث وانه هو الذي يمد الأرض في هداهم ونصرهم وان هذا لا يصل إلى احد إلا بواسطة نزوله على ذلك الشخص القطب فيعد الشيخ الحسو كل ذلك من المقالات الباطلة ( ).
ولا يجد الحسو بداً في بث شكواه مما لاقاه من زمانه الذي أصبحت فيه البدعة سنة والسنة بدعة ويقول : الويل كل الويل من الناس وخاصة العلماء لمن أنكر عليهم شيئا من البدع أو ذكرهم بسنة من السنن التي اميتت فأنهم عند ذلك تعترم قيامتهم ويرمونه وهابي وانه جاءهم بدين جديد ( ).توفي رحمه الله سنة 1960م ( ).
صالح الجهادي ( ...ـ 1939)
كان رحمه الله متأثراً بأفكار السلف ، داعياً إلى الإصلاح والتجديد ، ونبذ التعصب ، والتمسك بالمذهبية الواحدة ، إلا انه كان هادئاً في دعوته أحبه العلماء وتواضع لله فرفعه منزلة عند العامة والخاصة . توفي رحمه الله في سنة 1358هـ /1939م ( ).
إسماعيل مصطفى عبدالرحمن الخفاف ( الكتبي ) ( 1902ـ )
تلقى علومه عن أستاذه صديق الملاح وبعد أن حصل على الإجازة العلمية وسب عوده واستوى علمه وأصبح مهيئا للدعوة والإرشاد وإلقاء الدروس في الأماكن العامة والتي كان يحضرها الكثير من المستمعين وكان صديقه صديق الملاح إلى جانبه في إلقاء المحاضرات ولاسيما في تاريخ مذهب السلف والصعوبات التي تواجه هؤلاء الدعاة فتقبل عدد كبير من المصلحين والحاضرين هذا الاتجاه الديني ، وعلى اثر ذلك حدث مشاحنات وكمساجلات حول هذه الأفكار فوقف البعض ضدها والبعض الآخر معها إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة الدعوة والإرشاد ونشر أفكاره الحديثة وعلى اثر تلك الانقسامات آنذاك أمر متصرف الموصل في حينه إيقاف محاضراته . وفي 16/2/1948 تم إلقاء القبض عليه وأودع السجن ثم نقل إلى بغداد وأطلق سراحه بعد أربعة اشهر وعاد بعدها الموصل .
وفي سنة ( 1936) فتح له مكتبة باسم مكتبة الشرق في شارع النجفي لبيع الكتب ونشر المذهب السلفي وكان يستورد هذه الكتب من مصر وسوريا ولبنان وحلب والهند . ومن هنا عرف باسم الكتبي وتم إحراق مكتبته في أحداث الشواف بعد أن تم توقيفه لمدة 67يوما وأفرج عنه بعد ذلك ( ).
صديق بن محمد الملاح ( 1886-1946)
تلقى تعليمه على عدد من العلماء منهم عبدالوهاب الجوادي ، عكف على قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم فضلا عن كتب التاريخ الإسلامي والأدب العربي ، فتكونت لديه رؤية واضحة للمقارنة والمحاججة والتفربيق بين هذا وذاك فاخذ يحاجج شيخه الجوادي ويضايقه في طروحاته ثم انصرف من عند شيخه فوجد ضالته عن الشيخ سليمان بك الجليلي عندما رأى الشيخ الجليلي اندفاع الشيخ صديق للتعلم حثه على استيراد عدد من الكتب التي لم تكن منتشرة في الموصل وهذه الكتب فيها الكثير من فقه إتباع السلف . جاهر الملاح بهذه الرؤية من الأفكار السلفية المضادة للأفكار التي كانت سائدة آنذاك هكذا وجد الملاح نفسه متصديا للعديد من العلماء في ذلك الوقت بعد وفاة شيخه الجليلي . نزح إلى حلب ثم عاد إلى الموصل ولم يتكمن من مجاراة العداء للأفكار التي حملها فذهب إلى قرية الكوكجلي وهناك وبعد الاحتلال الانكليزي لم يتمكن من البقاء في ظل الاحتلال فذهب إلى السعودية وحط رحاله في الرياض سنة 1341هـ /1922 فلم ينسجم من طروحات علمائها فعاد إلى الموصل ، وتم تعيينه معلما في المدرسة الخضرية في الموصل ثم نقل إلى مدرسة الكوكجلي وكث مع زوجته وأطفاله لمدة أربع سنوات نقل بعدها إلى البصرة ثم الناصرية وفي سنة 1932م استقال من عمله الوظيفي فانصرف إلى دعوته للمذهب السلفي واعتمد الدخول إلى النوادي والمقاهي التي اتخذها منطلقا لنشر أفكاره وحدث تنافر فكري بينه وبين العلماء فقام متصرف الموصل آنذاك عمر نظمي بدعوته للالتقاء به وطلب منه التوقف عن نشاطاته إلا انه لم يوافق على طلب المتصرف وطلب من خصومه من العلماء الحضور لإجراء مناظرة في الأمور والقضايا التي تتمحور حولها أسباب الرفض وعدم قبول الرأي الآخر إلا أن ذلك لم يحث ولم يلبِ طلبه ( ).
انقل لكم مقال مهم جدا يتحدث عن نشأة السلفية في الموصل في العصر الحديث فاتمنى من الجميع التركيز على الاحداث والاسباب جيدا لناخذ فكره عامه عن مذهب سكان مدينه الموصل ...
اتترككم مع المقال المنقول من احد المنتديات التي لاتزال تناقش امره
في القرن العاشر للهجرة استولى العثمانيون على العراق , وكان ينازعهم في هذا الصفويون , ودارت بينهما حروب دامت أكثر من قرن , لاقت البلاد خلالها كثيراً من المصائب والأوبئة والمجاعات .
وجعل الطرفان لنزاعهما صبغة دينية , لكي يغروا بالشعوب البسيطة إلى الحرب . فالصفويون يعتبرون الشاة حامي المذهب الشيعي , والعثمانيون يؤيدون المذهب الحنفي , الذي يجيز الخلافة في كل شخص تتوفر فيه شروط الخلافة وصار الخليفة العثماني حامي السنة . وبلغ الأمر بينهما أن كل دولة منها كانت تكفر الثانية , بما أصدروه من الفتاوى الباطلة , والمقالات المزيفة والإسلام براء من هذا كله.
وسعى العثمانيون بنشر المذهب الحنفي , لتعزيز حكمهم , ففتحوا المدارس ودور الحديث التي يدرس بها الفقه الحنفي فتقدمت العلوم والآداب وقد بسطنا القول عن النهضة العلمية التي أعقبت فتح هذه المدارس في الموصل في مقال لنا وان العثمانيون لايعينون القضاة ورجال الإدارة إلا من أتباع هذا المذهب . وشجعوا صحاب الطرق الصوفية , فشيدوا لهم التكايا , وعينوا الشيوخ , ورصدوا الأوقاف التي تصرف على إدامة التكية , والنفقة على من فيها .
فنشطت الطرق الصوفية, وعظم شأنها في البلد , وقصدها الناس على اختلاف طبقاتها لحضور حلقات الذكر , ومجالس الوعظ والإرشاد ودروس الفقه ودروس الفقه والتفسير والأدب , التي تعتقد فيها كل يوم .
وساعدت التكايا على تهذيب الشباب , وإرشادهم إلى الخير والفضيلة والتمسك في الدين الحنيف , وإطاعة أولي الأمر, والالتفاف حول الشيخ , والانصياع إلى ما يقوله ويفعله ( وازدحمت التكايا بالمرداء والقاصدين الذين يؤمونها ) وحتى العلماء والأدباء , فأنهم كانوا يتردون إليها , وينتسبون إلى المشائخ لكي يعتزوا مكانتهم عند الناس وأرباب الحكم .
وصارت التكايا محافل تلاوة ومجالس وعظ وإرشاد , وحلقات ذكر وتسبيح ,ومدارس فقه وأدب.
وأكثر الطرق انتشاراً في الموصل: هي النقشبندية , والقادرية , والرفاعية والبكتاشية , والشاذلية , وألخلوتية .
وسعى المشائخ في تجديد مراقد الأئمة والصالحين , وساعدهم على هذا أرباب الحكم , وأهل الثراء . لكي يدعمو مكانتهم عند الناس , فجددوا كثيراً من المراقد القديمة , وشيدوا مراقد جديدة فوق قبور الصالحين , وبنو الجوامع والمساجد التكايا بجانب قبورهم مثل : جامع الشيخ محمد الزيواني ( جامع باب البيض ) وجامع الشيخ محمد , وجامع النبي شيت , وجامع المحمودين , وجامع السلطان أويس , وجامع جمشيد , ومسجد المتعافي , وجامع منصور الحاج وغير هذا مما سيذكره المؤلف .
فكثرت المراقد والمشاهد والزيارات في الموصل, وقصدها الناس للتبرك بها, والدعاء عندها.
وخلف بعض أصحاب الطرق من غرتهم مراكزهم المرموقة, ومجالسهم الحافلة, فاستغلوا أمر الدين لمقاصدهم الدنيوية, وسخروا إتباعهم لمطامعهم, وأوقعوا التنافس بين أمثالهم من أصحاب الطرق. وترفعوا عن مستوى الشعب . وأدعو الولاية والكرامات , وتقبلوا النذور والهدايا . فافسدوا من كان يترد إليهم ويأخذ عنهم . وكان القومة على المراقد قد اتخذوا زيارة المرقد مغنماً , بما يشرطونه من النذور والهدايا , وجعلوا لكل مرقد يوماً للزيارة , ولبعض المراقد خواص يقضيها , من تفريج الكروب , وأزله لهم , والفتك بالظلم , وقضاء الحاجات : من تزويج وطلاق وأولاد , وذلك لقاء نذر يقدم بعد قضاء المراد .
نجد بجانب هذا جماعة من العلماء العالمين , الذين ساءهم ما يفعله بعض الشيوخ من البعض والضلال , فاخذوا يدعون إلى تحرير الأفكار , والرجوع إلى فجعلوا من المراقد والمشاهد محلات مقدسة , يلجأ إليها الناس في طلب قضاء الحاجات .
وفي زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني 1239 / 1327 هـ = 1876 / 1909 م نشطت التكايا وعمرت بعض المراقد والزيات , ذلك لأن السلطان المذكور , قرب المشائخ وأرباب الطرق , وفتح لهم التكايا في كثير من المدن التي كانت تابعة للدولة العثمانية ( ومنها الموصل ) وجدد مراقد بعض الصالحين , ومشاهد الامئة والتابعين فنشطت التكايا مدة خلافته .
ويضهر لنا مما تقدم : أن تشييد أكثر المقامات والمشاهد كان لغاية سياسية , فأن رجال الحكم الذين كانوا الذين كانوا يريدون أن يعززوا حكمهم , ويجعلوا له صبغة دينية , فأنهم كانوا يقربون أرباب الطرق , ويشيدون المراقد والمشاهد ويظهرون التقوى للناس ( ويجعلون لحكمهم صبغة دينية ) ( ).
وكان للمفتي دور في الحياة العامة حيث يأتي المفتي بحسب الأنظمة العثمانية ، في الدرجة الثانية من الجهاز القضائي للولاية ( )، فللمدينة مفتيان أولهما حنفي على المذهب الرسمي للدولة ، والآخر شافعي( ) ، ويقوم كل منهما بمساعدة القاضي وتبيين وجهة نظر الشريعة الإسلامية في شتى المعاملات الحقوقية ( )، ولما كانت طبيعة منصب الإفتاء تؤهل صاحبه للوصول إلى رتبة القضاء فقد كان أغلب قضاة الموصل خلال هذا العهد من المفتين السابقين وكثيراً ما احتفظ هؤلاء القضاة بوظائفهم السابقة إضافة إلى منصبهم الجديد فجمع الشيخ علي الغلامي الشافعي بين المنصبين ، ولما مرض استعفى من القضاء فتركه واستمر على الإفتاء إلى أن مات ( ) . وعلى عكس هذه القاعدة كان من الجائز أحياناً أن يلي رجل القضاء قبل تولية الإفتاء فالسيد حسن أفندي بن إبراهيم ولي القضاء سنة 1186هـ/1772م ثم ولي الإفتاء سنة
1189هـ/1775م وجمع بين القضاء والإفتاء ( ).
ومن الملاحظ أن الإفتاء ، خضع هو الآخر إلى قانون الوراثة الذي كان يلعب دوراً مهما في تكوين مؤسسات ذلك العهد ، فلم يكد يخرج منصب المفتي الحنفي طيلة عهد الجليليين عن ثلاث أسر موصلية شهيرة هي : آل العمري ، وآل ياسين ، وآل الفخري الأعرجي ، في حين توارثت أسرة آل غلامي منصب مفتي الشافعية جيلاً بعد جيل ،وليس أدل على أهمية هذا المنصب أن مفتي الحنفية السيد يحيى فخرالدين كان الناطق الرسمي بلسان والي الموصل وشعبها أثناء حصار نادر شاه عام 1156هـ /1743م ، وتدل ألفاظ الاحترام والتوقير التي أطلقها الأخير على ذلك المفتي في رسالته الشهيرة إليه( ) على مدى أهمية منصب الإفتاء في تلك العهود ، وكان علي بن مصطفى الغلامي مفتي الشافعية أحد الثلاثة الذين خرجوا من المدينة أثناء الحصار ليُبرموا الصلح مع نادرشاه وكان المفتي يتدخل أحياناً في الحياة السياسية للولاية ، فكان له أتباع يعاضدونه في الفتن الناشبة في المدينة ( )،كما كان يقوم بالتوسط لعقد الصلح بين الأطراف المتنازعة ( ) .
قد تصدى للبدع التي انتشرت العلماء والولاة:وانقسمت البدعة إلى أنواع عدة منها:
1ـ قسم من تصدى للبدع كان موفقا سياسيا:من ذلك التصدي لبعض البدع التي تمت إلى التشيع بصلة نتيجة الصراع السياسي والعسكري للسيطرة على مدينة الموصل بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية فكان تحارب هذه البدع لكي لا تعطي أرضا خصبة للتمدد الصفوي في هذه المدينة .جاء في الدر المكنون في حوادث سنة1059هـ : كان شرفاء الموصل يعملون المآتم في يوم عاشوراء , ويحملون التابوت ,ويطوفون في الأسواق والأزقة ,فأمر عثمان بن الحاج علي بن الحاج قاسم العمري أهل محلته فضربوهم وقتلوا منهم رجلا ,وأبطلوا تلك العدة ,فاشتكى الشرفاء في الدولة ـ وكانوا قريبين من بيوت العمرية فنقلهم السلطان غالى جهة الخراب من الموصل نواحي قره سراي ,وعملوا لهم أملاكا وسكنوها,وأبطلت تلك الفتنة .واستمر التصدي لمثل هذه المظاهر كثير وذكر محمد أمين العمري بقوله:وقد وفق الله الوزير المفخم سليمان باشا دام عزه إلى قمع هذه البدعة فلم يبق منها إلا قليل .
2ـ التوسع في الدفن بالمساجد :على الرغم من أن في هذا العهد كثر بناء المساجد إلا انه مقابل ذلك كثر التوسع في الدفن فيها فكل من بنى مسجدا نراه دفن فيه ثم أعقبته ذريته من بعده من ذلك جامع العمري وجامع الباشا وغيرها.
3ـ استغلالها من قبل البعض :وكتب في ذلك الحاج عثمان بك بن سليمان باشا الجليلي مقالات وتعليقات كثيرة على الذين سخروا الطرق الصوفية لمصالحهم الدنيوية ,وألف رسالة رد فيها على الشيخ خالد النقشبندي ,مجدد الطريقة النقشبندية في العراق اسماه(تحرير الصواب)وحمل على طائفة الدراويش وأصحاب التكايا بجد ونشاط وكان مما قال بهذه الصدد:
إذا قلـت يومـا امنـوا بمحمد فقل انزل الله الكتاب لمن يشعر
ولاتقتفـوا آثـار قـوم أضلهم شياطينهم فالدين سهل لمن يبصر
يقـولون نخشى أن نصاب بجاهنا وأرزاقنا,فاترك ملامتنا واعذر
فقلـت إليكم أنني لست مرسلا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
4ـ التوسع في البدع : ومن بدعهم ما اعتادوه من الكتب أوراق صغار كثيرة بوداع رمضان ,وسؤاله قبوله تعالى لصيامهم ,وبيان مزية الصوم الصلاة , وقيام رمضان ,ويلقونها من سطح الجامع ,وفي فنائه الجم الغفير يلتقطونها بقصد التبرك في أخر جمعة منه,فيشوشون على الإمام خطبته ,ويحولون بين الناس وبين سماع الخطبة بكثرة الضوضاء ,والأصوات العالية ,ويتواقعون عليها ,ويتدافعون التدافع البليغ فتسقط عمائهم ,وتتمزق ثيابهم ,وفيهم الشيوخ والكهول والأولاد والصغار .وقد أزال الوزير المفخم هذه البدعة فلم يبق منها إلا اثر يسير وهو أنهم يفعلونها بعد الصلاة .وذكر محمد أمين العمري : ـ أن الغالب على مردي الشيخ يونس سيالة الجهل بالمسائل الفقهية مع الخبرة التامة بأحوال الطريق ,وأحوال رجالها ومن تلامذته السيد عمر الحداد واتفق له أن عمل توحيداً (حلقة ذكر ) يوماً من الأيام ,وأمر تلامذته بضرب الخناجر والدنابيس في بطونهم فانخرطت بطن واحد منهم وحاول التئامها بكل وجه يعرفه فلم ينفع شيئا ,ومات المجروح وانهزم السيد عمر إلى ديار بكر ,فأنكروا عليه أحواله, فدخل في تنور فكفوا عنه .ومات قبل 1170 هـ وكان العلامة صبغة الله الحيدري ينكر عليهم هذه الخصلة.
وقد أدى ازدياد الأوساط المثقفة في الموصل لواقعها إلى ظهور المحاولات الإصلاحية القوية . فمنذ منتصف القرن الثامن عشر تقريباً ، أخذت الحركة الفكرية في الموصل تهتز اثر قيام حركة سلفية نشيطة اتخذت من مقاومة نفوذ المشايخ وتقديس مراقد الأولياء هدفا رئيسيا تسعى نحو تحقيقه ، فكانت تلك أول حركة سلفية شهدتها البلاد الإسلامية في العصر الحديث .
وكان من ابرز رجال الدعوة الجديدة الداعين إلى نبذ الخرافات والبدع الملا احمد بن الكولة .
وهو فقيه زاهد عارف بالتصوف له أتباع ومريدون وتكية يجتمع فيها عنده الناس لاستماع دروسه ومواعظه .
وفي العقد الثالث من القرن الثامن عشر جهر ابن الكولة بدعوته لأول مرة حيث بحث نبوة جرجيس والمح إلى إنكارها بسبب وجود تسع علل فيها فأثار بذلك موجة من الاحتجاج ضده سرعان ماانتقلت إلى المدن المجاورة فانبرى علي بن مصطفى الدباغ الحلبي يرد عليه في كتاب اسماه ( إتحاف الأنام بأخبار سيدنا جرجيس عليه السلام ) ثم بعث بكتابه إلى الموصل مرفقا بقصيدة طويلة عدد فيها معجزات جرجيس واهميته . ووصلت أزمة ابن الكولة إلى ذروتها في الموصل ، عندما تألب عليه المشايخ وأصحاب الطرق وشكوه إلى والي الموصل وكان يومذاك الحاج حسين الجليلي فأرسل إليه يأمره بالتوبة من هذا الإنكار وتختلف الروايات في حقيقة موقف ابن الكولة بعد ذلك ففي حين يؤكد ياسين العمري انه تاب وأناب نجد أن أخاه أمين العمري يذكر بأنه أصر على موقفه وعلى أية حال فليس ثمة دليل على أن هذه الدعوة قد خمدت وان الولاة الجليليين اتخذوا أية خطوة جدية ضدها رغم أنها كانت تجري تحت سمعهم وأبصارهم فاستمر ابن الكولة في حملته ضد المقامات والمشاهد ومن يتخذها وسيلة للكسب إلى أن توفي عام 1173هـ /1759م . ويبدو أن هذه الحركة الفكرية الجديدة لم تعدم مناصرين وأتباعا ومؤيدين فما لبث أن حمل رايتها بعد ابن الكولة ، ابنه الشيخ محمد وكان هذا على معاصريه مفرط الذكاء حافظا متقنا لم يفته فن من الفنون النقلية والعقلية إضافة إلى إتقانه علم الفلك . واستمر في دعوة أبية , وتوسع فيها حتى غدا ( شديد الإنكار على جميع الأولياء) وجاهر في نقده لشيخ الصوفية الأقدمين , مثل الشيخ محيي الدين بن عربي , والشيخ عبد القادر الكيلاني , فتألب الناس ضدة , وسافر إلى بغداد ليشترك في مؤامرة ضد وأليها . ولما فشلت المؤامرة غادرها إلى ديار بكر حيث تقلد القضاء فيها , ثم تقلد القضاء في الموصل , وصار له مؤيدون وأتباع . وبذلك انقسم المثقفون الموصليون إلى فريقين , فريق محافظ لازال متأثراً في الطرق الصوفية , وبروح العصر التقليدية , وفريق سلفي تأثر يدعوا إلى نبذ تقديس الأولياء ويجاهر في مقاومته للطرق الصوفية , بالحط من مكانة مؤسسيها وزعمائها . وجمع فريق مستطاع من الجج للدفاع عن مبادئه , وألف المحافظون كتباً هامة في الرد على الدعوة الجديدة فكان ذلك من بواعث حركة التأليف عند الكتاب . وشاعت الرغبة في البحث في تراجم الأولياء, بعد أن كانت مكانتهم أمراً مسلماً لا يحتاج إلى البحث وتنقيب , فكانت هذة الرغبة هي السبب الحقيقي وراء ترجمة كتاب ( تذكر أولياء بغداد ) إلى العربية , والى دفع محمد أمين العمري إلى تأليف كتابة سنة ( 1210 ) وأسماه ( منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء ) ليفرد فيه فصلاً خاصاً في ( بيان كرامات الأولياء , والرد على من أنكرها من الجهلاء ) وقد افرد أخوة ياسين العمري فصلاً طويلاً في كتابة ( منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء ) للبحث في التراجم هؤلاء الأولياء , على أن الدعوة ما فتئت تكسب إلى صفوفها أنصاراً جدداً ومال بعض المحافظين إلى الأخذ بوجهة نظرها بغية إصلاح الوضع المتردي للطرق الصوفية القائمة آنذاك , فكتب محمد أمين العمري كتاباً آخراً اسماه ( الكشف والبيان عن مشايخ هذا الزمان ) وذكر في المقدمة وضع هذا الكتاب فقال : الحمد لله الذي أسبل ذيل سترة على عباده , وكشف ظلمات الخطب وإمداده .. اللهم بك نستعين على فرقة جهلوا الصراط المستقيم .. أرادوا سلوك طرق الحق , فعميت عليهم مقاصده وأبتدعوا لهم بدعا ما هدت عن السلف وهم مشايخ هذا الأبان , ومريدوا هذا العصر والزمان وقد وضعن فيهم هذه الرسالة الكاشفة عن مخفيات مصانعهم ,
المكسده لتجارتهم وبضايعهم والكتاب هو :
المقدمة : في حقيقة التصوف وتعريفه .
الفصل الاول : في بدعهم التي ابتدعوها .
الفصل الثاني : في حماقتهم وجنونهم .
الفصل الثالث : في أسئلة وأجوبة لهم , وكرامات ودعوى كاذبة .
الخاتمة : في كرامات الأولين السابقين والمشايخ الصالحين . والمؤلف ينتقد المبتدعة من المشايخ الذين استغلوا المشيخة وجعلوها طريقاً وسلماً لمقاصدهم الدنيوية , وقد بين ما ابتدعوه من البدع , وحماقتهم التي ادعوها , وجنونهم المصطنع . واشتدت هذه المعركة , وتفاوت الناس في درجة اعتدالهم وتطرفهم إزاء أثارته من تيارات فكرية متعددة وقد ألف يوسف بن الجليل الكردي القادري ( ت1241 ) كتاباً أسماه الانتصار للأولياء الأخيار ,يتضمن فصلا كبيراً في تراجم أولياء الموصل وأخبار كراماتهم كما يتضمن فصولاً أخرى ناقش فيها المؤلف موقف سلفيي الموصل المناوئ للطرق الصوفية فهو بذلك يعكس صورة لإحدى جوانب الحياة الفكرية في الموصل , وقد لاحظ أن هناك ثلاثة أقسام : من منكري مشايخ الصوفية :
القسم الاول : متطرف ينكرون على مشايخ الصوفية , ومن ينتمي منهم , ويسيئون الظن بهم ويطعنون فيهم وينكرون كرامتهم .
القسم الثاني : اقل تطرفا يكذبون كرامتهم أولياء زمانهم ويصدقون كرامات السابقين .
القسم الثالث : يصدقون بأن لله تعالى أولياء لهم كرامات ولكنهم يصدقون بواحد من أهل زمانهم( ).
وبينما كانت الأزمة في بدء احتدامها , كان محمد بن عبد الوهاب , (الذي أسس المذهب الوهابي فيما بعد ) قد حل بالموصل للدراسة في مدارسها ومساجدها , وهو لما يزال ( يومذاك ) شابا يافعاً يسعى لطلب العلم فتلمذ على يد الشيخ احمد ألجميلي الموصلي ( 1756 م / 1170هـ ) وكان هذا من ذوي ( الخط الأوفر عند الملوك والقبول التام ) فأتيح للطالب الشاب أن يعاصر أزمة نبوة جرجيس الذي أثارها احمد بن الكولة وأن يعيش وسط تلك المعركة الفكري التي شهدتها الموصل في ذلك العهد ولا ريب في انه كان لهذا الظرف أثرة الكبير والفعال في نفس محمد بن عبد الوهاب للتشابه التام بين أرائه التي دعا إليها فيما بعد , وبين مبادئ سلفي الموصل الدعاية إلى نبذ زيارة القبور وبناء القباب وتكبير العمائم وتوسيع الثياب للعلماء ووضع الستور والعمائم والثياب على الأضرحة والاستعانة بجاه أصحابها والتمسك ( بدل ذلك ) بالقرآن والسنة فقط .
في القرن العشرين :
تمكنت في الموصل كالحواضر العربية الاسلامية الاخرى ، طرق للصوفية كان من اشهرها : النقشبندية والقادرية والرفاعية التي حفلت تقاليدها في القرون المتاخرة بالمزيد من الطقوس والبدع والخرافات والدروشة في مختلف الاوساط الشعبية، وكثرة الاولياء والشيوخ الذين تمكنوا من قلوب وعقول الناس الذين يقلدونهم ويطلبون منهم الدعاء والبركة ، وتنهال عليهم اعطيات الناس بحسب طلب حاجياتهم وأصبحت لمراقد الأئمة والأنبياء مكانة خاصة يزورنهم لنيل طلبا للشفاء من مرض أو عاهة أو الإيفاء بالنذور أو للدعاء بما يصل بالحياة كالعقم والحب والزواج وغير ذلك. ولازالت آثار تلك التقاليد باقية حتى الآن .
إن انتشار الطرق الصوفية وتكريس الممارسات الجديدة لأصحابها والتبرك بالأولياء ، قد أثار حفيظة علماء الدين واتهموهم بالشعوذة.
في الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية ترعى أصحاب الطرق الصوفية وتشجيعهم بغية بسط نفوذها تحت حكم السلطان إن غلو أصحاب الطرق الصوفية بما يتنافى وجوهر الإسلام مهد لفكرة السلفية في النصف الاول من القرن الثامن عشر الميلادي في الموصل إبان العهد الجليلي 1726-1834م. فكانت بذلك أول حركة سلفية شهدتها البلاد الإسلامية في العصر الحديث. وقد سعدت إلى تخليص الإسلام مما دخل عليه من الشوائب والعودة به إلى الأصول الأولى ، والحد من نفوذ المشايخ وتبرك الأئمة ومراقد الأولياء. وبخاصة التبرك بضريح نبي الله جرجيس ( عليه السلام ) في الموصل. حيث كان لهذا النبي لدى أهالي الموصل حظوة كبيرة ، وكان قد كُتب على باب جامع النبي جرجيس البيتين التاليين :
زر حضرة ملئت نوراً وتقديساً وأقصد نبي الهدى ذو المجد جرجيسا
ماجاءه قاصداً يشكو ملمته إلا ونفَّس عنه الكرب تنفيسا
ظهور الشيخ احمد بن الكولة وابنه الشيخ محمد الكولة :
ان أول من تصدى للطرق الصوفية ودعا للفكرة السلفية ، هو الملا احمد بن الكولة (ت 1173هـ /1759م )الذي قال عنه صاحب المنهل : الشيخ ملا احمد بن الكولة أشتهر بهذه التسمية لأن أباة أو جدة عتيق لبعض أهل الموصل , كان زاهداً , ورعاً , فقيها , عارفاً بالتصوف له إتباع وطلبة ومريدون , وتكية يجتمع فيها عنده الجم الغفير للسماع واستفادة العلم .
وبدأت دعوة بن الكولة حينما أنكر نبوءة النبي جرجيس ( علية السلام ) , فضجت الموصل بهذا الإنكار , وكادت تحصل فتنة , ولما تناهى الخبر أسماع الحاج حسين باشا ألجليلي والي الموصل أرسل إلية يأمره بالتوبة والاستغفار.
ويبدو أن هذه الدعوة لم تخمد وان الولاة الجليليون لم يتمكنوا من فعل شيء يؤيد هذه الدعوة وحينما توفي الشيخ احمد بن الكولة ، خلفه ابنه محمد بن الكولة في حمل لواء الدعوة ، متنكراً لإعمال الطرق الصوفية ، وباغضاً مشايخهم وجاء في غرائب الأثر عنه انه شديد الإنكار على جميع الأولياء . وقال عنه صاحب غاية المرام :
محمد أفندي ملا احمد الشهير بابن الكولة الموصلي ، علامة عصره في جميع العلوم المنطوق والمفهوم له اليد الطولى بعلم الزيج سافر الى بغداد سنة ( 1191 هـ / 1777 م) أيام ظهور الفتن في بغداد فأنسلخ المترجم من زمرة العلماء وتابع محمد كهيه وإبن محمد خليل , كان يحظر مجالسهم ويحرص أتباعه إلى الفتن حتى ولي بغداد الوزير سليمان باشا فخرج من بغداد هارباً وللنجاة طالباً وقدم إلى الموصل ثم سافر إلى الروم واتصل برجال الدولة وتقرب حتى ولي القضاء في عدة بلاد ثم ولي قضاء ديار بكر سنة (1208هـ/1793م) فقدم اليها بحشمة ووقار,ثم بعد سنة ولي قضاء بغداد فقدم إلى الموصل وأقام بها ثلاثة أشهر ثم توجه إلى بغداد فأقام بها شهرين ورجع إلى عناده وفعله فبلغ ذلك سليمان باشا فنفاه من بغداد فقدم إلى الموصل وتوجه إلى الروم وكان على ما قيل ينكر على السادات الصوفية ويتكلم على الشيخ محي الدين بن العربي بما لا يليق ,وينسبه إلى الزندفة ".
يستفاد من روية صاحب غاية المرام أن السلطة قد أيدته فيها ذهب اليه في دعوته,وهذا يتناقض مع توجهاته الدينية فالمعروف أن الدولة العثمانية وان كانت سنية على المذهب الحنفي إلا أنها شجعت الطرق الصوفية طالما لا يشكلون خطراً عليها .ان استمرار هذه الدعوة أوجد صراعاً حاداً بين السلفين المجددين والداعين إلى العودة بالإسلام إلى نقائه الأول ,وبين أصحاب الطرق الصوفية المتشددين بالإبقاء على ماهو موجود.ويعكس هذا الصراع موقف الأدباء الذي تأرجح بين الوقوف إلى جانب المتصوفين , وبين الميل إلى الدعوة الجديدة . فقد لازم محمد أمين الخطيب العمري (ت:1203هـ/1788م) مجالس المتصوفة وأنتسب إلى الشيخ عثمان الخطيب الأسود (ت:1190هـ/1776م) وأخذ عنه الإجازة العلمية بالطريقتين القادرية والنقشبندية .والذي ألف كتابه "منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء " . بقصد بيان كرامات الأولياء والدفاع عن المتصوفة ,حيث يقول :"وعقبت المقصد المطلوب بخاتمة في بيان كرامات الأولياء والرد على من أنكرها من الجهلاء ".
وكذلك الأمر بالنسبة إلى أخيه ياسين الخطيب العمري (ت:1232هـ/1816م) الذي تتلمذ أيضاً على الشيخ عثمان الخطيب الأسود ,وأجيز الإجازة العلمية بالطريقتين القادرية والنقشبندية , وألف كتاب "منية الأدباء في تأريخ الموصل الحدباء" وقد خصص فصلاً كاملاً للتحدث عن فضل هؤلاء الأولياء ومراقدهم في الموصل .
ويبدو أن محمد أمين الخطيب العمري قد أجاز في النهاية إلى جانب المجددين أصحاب الدعوة السلفية , فألف كتاب "الكشف والبيان عن المشايخ هذا الزمان " يرد فيه على أصحاب البدع في زمانه ,فقد جاء في مقدمته: "أرادوا سلوك طرق الحق فعميت عليهم مقاصده وإبتدعوا لهم بدعاً ما عهدت عن السلف , وهم مشايخ هذا الإبان ومريدوا هذا العصر والزمان".وأوضح في المقدمة حقيقة التصوف وتعريفه وعالج في الفصل الأول والثاني بدعهم التي إبتدعوها ,أما الفصل الثالث فقد ضمنه أسئلة وأجوبه لهم في الخاتمة بين كرامات اللأولين والسابقين والمشايخ الصالحين . كما وفق إلى جانب المجددين الشيخ عثمان بك الحيائي الجليلي ,وألف رسالة يرد بها على المشعوذين ويفند أقاويلهم ,أسماها "دين الله الغالب على كل منكر مبتدع كاذب "لأنه قد رأى بأم عينه "المعاصي قد كثرت وشاعت ,والبدع قد ظهرت وذاعت والشريعة قد هجرت وضاعت وصارت السنة بدعة والبدعة سنة ... وأمتد هذا الحال إلى أن أشرفت القواعد الشرعية إلى التعطيل ومالت القوانين الإسلامية إلى التبطل ومشى الناس على أهوائهم الفاسدة وعقولهم الكاسدة ".
ومهما يكن من أمر , فإن الدعوة الجديدة , قد لقيت تشجيعاً من جمهور العوام من الناس إذ ظهرت "ثلاثة أقسام من منكري مشايخ الصوفية, فقسم متطرف ينكرون على المشايخ الصوفية ومن ينتمي منهم ويسيئون الظن بهم ,وقسم أقل تطرفاً يكذبون كرامات أولياء زمانهم ويصدقون كرامات السابقين ,والقسم الثالث يصدقون بأن الله تعالى أولياءهم كرامات ولكنهم لا يصدقون واحد معين من أهل زمانهم ".
الاتجاه السلفي الديني في الموصل في القرن العشرين :
ولقد كان ابرز من مثل هذا الاتجاه في العقود الاولى من القرن العشرين : الشيخ عبدالله النعمة والشيخ عثمان الديوه جي وعبدالله الحسو وصديق الملاح .
تعود جذور هذا الاتجاه امتداداً للدعوة السلفية التي تبناها الشيخ احمد بن الكولة ( ت 1759 ) وجماعته في الموصل أنكر تقديس الأولياء وقبورهم وما نرافق بعضها من مظاهر التذلل والضعف. ولقد كان ابرز من مثل هذا الاتجاه في العقود الأولى من القرن العشرين : الشيخ
عبد الله النعمة ( 1874-1950م ) والشيخ عثمان الديوه جي (1868-1941م ) والشيخ احمد الديوه جي ( 1869-1943م ) والشيخ عبدالله الحسو (1890-1960م ) وغيرهم .
تلاميذ النعمة : احمد سعدالدين زيادة ، وسعيد الحاج ثابت ، وإبراهيم عطار باشي ، وسعيد الجوادي ، وضياء يونس ، ومحمد رؤوف الغلامي وغيرهم .
عبدالله النعمة ( 1874-1950م )
لقد نجح الشيخ عبدالله النعمة في إرساء دعائم مدرسة إصلاحية إسلامية بعد أن درس على اشهر علماء الموصل وتسنى له أن يقوم بمهام التدريسات الدينية والمشاريع الإصلاحية وكان وتمكن من الإطلاع على أجوال المسلمين ( ). ولما تشكلت المدرسة الإسلامية عام 1919 اختير مديرا لها فنهض بها . وواكب تطورها . كما ترأس جمعية البر الإسلامية وجمعية الشبان المسلمين سنة 1928 م اللتان لعبتا دورا فعالا في التوعية الدينية في الموصل ( ).
لقد كان الرجل سلفيا صريحا وداعية إلى إصلاحات دينية ولكنه لم يتقيد بمذهب ولم ينتسب الى طريقة صوفية ( ).
إن جرأته في مواجهة الأمور وإرشاد سامعيه ونبذه للبدع والخرافات عرضته للمخاطر ، فحينما ينهي الأهالي عن القيام بالتمسح بالقبور أو الستور المسدلة عليها ويدعو إلى رفع القباب عن القبور ، انبرى له احدهم وقال له متوعدا سوف نتواجه عن قريب ( ).
كما اختلف مع المفتي محمد حبيب العبيدي الذي تزعم العلماء المناوئين للشيخ النعمة الذي كان يتهمه بالوهابية ، وكان اغلب الناس والعامة بشكل خاص وراء النعمة وان الخلاف بينه وبين العبيدي بلغ أحيانا حد الفتنة ، لولا تدخل العقلاء وتقريب وجهات النظر في مؤتمرات تعقد بين الشخصيتين . ومن المعتقد إن لهذا الاختلاف أسباب اجتماعية عميقة في الزعامة الدينية لكل منهما في مدينة الموصل ( ). توفي في الموصل بتاريخ 17/8/1950بعد حياة حافلة بالإصلاحية الدينية الجادة ( ).
عثمان الديوه جي ( 1868-1941م)
ترسم الديوه جي خطى السلف الصالح في نهجه ودعا إلى العودة بالإسلام إلى أصوله وكان مصدر قوله وعمله هو كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح كما دعا إلى تهذيب الأخلاق وإصلاح أحوال المسلمين والى التحرر من القيود التي سادت المجتمع من جراء ابتعاده عن التعاليم الإسلامية ( ). وعبر الشيخ الديوه جي عن آرائه السلفية بجرأة فائقة لايخشى شيئاً وبسبب آراءه أصبح ثمة جفاء بينه وبين المتصوفة نظراً لنبذه البدع والانحرافات في الإسلام ( ). وبقي الشيخ عثمان محافظاً على نهجه داعياً إلى الإصلاح حتى وفاته في الموصل بتاريخ 27/2/1941م ( ).
عبدالله الحسو ( 1890-1960م )
وتبعاً للمعتقدات التي سادت زمانه فقد نشأ الشيخ الحسو صوفي المشرب في فترة شبابه الأولى ( ). إلا انه اطلع في هذه المرحلة من حياته على كتابات ابن تيمية وابن قيم الجوزية ومحمد عبد الوهاب مما أحدث تغيرا في مشربة هذا فتحول نحو الاتجاه السلفي. وقد أعقب ذلك قيامه بتأليف " رسائل " ينتقد فيها الأعمال الداخلية على الصوفية والتي لا تمت إلى العقيدة الإسلامية بشيء. في وقت كان يتنازع مدينة الموصل اتجاهان : الاول صوفي تقليدي والثاني : سلفي إصلاحي , مما عرض الشيخ الحسو إلى حملات قاسية كالتي لاقاها زميلة الشيخ عبد الله النعمة , وصلت إلى درجة سرقة إجازته العلمية وإتلافها من قبل العناصر الصوفية المتنفذة في المجتمع الموصلي ( ).
اتخذ الشيخ عبد الله الحسو من مهنة التدريس في المدارس الدينية وسيلة لنشر رسالته وأفكاره الصلاحية الدينية التي آمن بها , إذا كان يدرس في مدرسة الرضواني ثم في مدرسة الرابيعة ( ). كما عين خطيباً في جامع شهر سوق. وقد اتخذ من خطبته وتدريساته وسيلة في الدعوة إلى الرجوع بالإسلام إلى مادعاه السلف الصالح والى التمسك بالكتاب والسنة , إلى جانب قيامة بنشر الكتب والرسائل الدينية التي تعبر عن نهجه السلفي , والتي كان يهدف من ورائها تصحيح العقيدة والقضاء على البدع والخلافات, في وقت عاشت فيه الموصل حالة صراع شديد بين المتصوفة والإصلاحيين . ونظراً لما تعرض له الشيخ الحسو من مضايقات وسط الظروف الدينية التي سادت المدينة فقط كان ينشر تارة باسمه الصريح ( )وأخرى باسم مستعار ( ). كما جعل حقوق الطبع مسبلة ( )لغرض نشر فكرة وأعمام الفائدة للمسلمين اجمع وكانت اغلب رسائله تطبع في مصر. كما اتخذ من " المقالات " التي يرسلها إلى المجلات المقالات في مجلة " التمدن الإسلامي " الصادر في دمشق ومجلة " الهدى النبوي " الصادر في القاهرة ومجلة " الحج " الصادر في مكة المكرمة( ).
لقد عبر الشيخ حسو عن معاناته وما كابده في رسم طريقة البدع .. واعلموا, إني لم اقصد هذا إلا النصح لطالب الحق .. ولا اقصد تكفير أحد من المسلمين.. ( ) وعن هدفه في الإرشاد والإصلاح ونشره للأفكار السلفية أوضح قائلا : أحاول أن اكشف عن بصائر الناس غشاوة الجاهلية التي أوقعتهم في الكفر ( ).
واخذ الشيخ الحسو ينشر أفكاره ويحذر الناس من الجهالات فكان يرى أن اتخاذ الوسائط بالتقرب إليها وبالطواف حولها وحول قبورها موجب لهلاك الأمة ( ). وقد أنكر الحسو التبرك بالأولياء وأنكر بعض الأدعية التي كان ينغم بها المؤذنون في الجوامع ( ). وعد الرسل والأنبياء وسائط بين الله وبين عباده في تبليغ الأحكام فقط لا في جلب المنافع ودفع المضار ( ).
وقد أنكر ماينسب من قبل العوام على مايطلقون عليه تسمية القطب أو الغوث وانه هو الذي يمد الأرض في هداهم ونصرهم وان هذا لا يصل إلى احد إلا بواسطة نزوله على ذلك الشخص القطب فيعد الشيخ الحسو كل ذلك من المقالات الباطلة ( ).
ولا يجد الحسو بداً في بث شكواه مما لاقاه من زمانه الذي أصبحت فيه البدعة سنة والسنة بدعة ويقول : الويل كل الويل من الناس وخاصة العلماء لمن أنكر عليهم شيئا من البدع أو ذكرهم بسنة من السنن التي اميتت فأنهم عند ذلك تعترم قيامتهم ويرمونه وهابي وانه جاءهم بدين جديد ( ).توفي رحمه الله سنة 1960م ( ).
صالح الجهادي ( ...ـ 1939)
كان رحمه الله متأثراً بأفكار السلف ، داعياً إلى الإصلاح والتجديد ، ونبذ التعصب ، والتمسك بالمذهبية الواحدة ، إلا انه كان هادئاً في دعوته أحبه العلماء وتواضع لله فرفعه منزلة عند العامة والخاصة . توفي رحمه الله في سنة 1358هـ /1939م ( ).
إسماعيل مصطفى عبدالرحمن الخفاف ( الكتبي ) ( 1902ـ )
تلقى علومه عن أستاذه صديق الملاح وبعد أن حصل على الإجازة العلمية وسب عوده واستوى علمه وأصبح مهيئا للدعوة والإرشاد وإلقاء الدروس في الأماكن العامة والتي كان يحضرها الكثير من المستمعين وكان صديقه صديق الملاح إلى جانبه في إلقاء المحاضرات ولاسيما في تاريخ مذهب السلف والصعوبات التي تواجه هؤلاء الدعاة فتقبل عدد كبير من المصلحين والحاضرين هذا الاتجاه الديني ، وعلى اثر ذلك حدث مشاحنات وكمساجلات حول هذه الأفكار فوقف البعض ضدها والبعض الآخر معها إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة الدعوة والإرشاد ونشر أفكاره الحديثة وعلى اثر تلك الانقسامات آنذاك أمر متصرف الموصل في حينه إيقاف محاضراته . وفي 16/2/1948 تم إلقاء القبض عليه وأودع السجن ثم نقل إلى بغداد وأطلق سراحه بعد أربعة اشهر وعاد بعدها الموصل .
وفي سنة ( 1936) فتح له مكتبة باسم مكتبة الشرق في شارع النجفي لبيع الكتب ونشر المذهب السلفي وكان يستورد هذه الكتب من مصر وسوريا ولبنان وحلب والهند . ومن هنا عرف باسم الكتبي وتم إحراق مكتبته في أحداث الشواف بعد أن تم توقيفه لمدة 67يوما وأفرج عنه بعد ذلك ( ).
صديق بن محمد الملاح ( 1886-1946)
تلقى تعليمه على عدد من العلماء منهم عبدالوهاب الجوادي ، عكف على قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم فضلا عن كتب التاريخ الإسلامي والأدب العربي ، فتكونت لديه رؤية واضحة للمقارنة والمحاججة والتفربيق بين هذا وذاك فاخذ يحاجج شيخه الجوادي ويضايقه في طروحاته ثم انصرف من عند شيخه فوجد ضالته عن الشيخ سليمان بك الجليلي عندما رأى الشيخ الجليلي اندفاع الشيخ صديق للتعلم حثه على استيراد عدد من الكتب التي لم تكن منتشرة في الموصل وهذه الكتب فيها الكثير من فقه إتباع السلف . جاهر الملاح بهذه الرؤية من الأفكار السلفية المضادة للأفكار التي كانت سائدة آنذاك هكذا وجد الملاح نفسه متصديا للعديد من العلماء في ذلك الوقت بعد وفاة شيخه الجليلي . نزح إلى حلب ثم عاد إلى الموصل ولم يتكمن من مجاراة العداء للأفكار التي حملها فذهب إلى قرية الكوكجلي وهناك وبعد الاحتلال الانكليزي لم يتمكن من البقاء في ظل الاحتلال فذهب إلى السعودية وحط رحاله في الرياض سنة 1341هـ /1922 فلم ينسجم من طروحات علمائها فعاد إلى الموصل ، وتم تعيينه معلما في المدرسة الخضرية في الموصل ثم نقل إلى مدرسة الكوكجلي وكث مع زوجته وأطفاله لمدة أربع سنوات نقل بعدها إلى البصرة ثم الناصرية وفي سنة 1932م استقال من عمله الوظيفي فانصرف إلى دعوته للمذهب السلفي واعتمد الدخول إلى النوادي والمقاهي التي اتخذها منطلقا لنشر أفكاره وحدث تنافر فكري بينه وبين العلماء فقام متصرف الموصل آنذاك عمر نظمي بدعوته للالتقاء به وطلب منه التوقف عن نشاطاته إلا انه لم يوافق على طلب المتصرف وطلب من خصومه من العلماء الحضور لإجراء مناظرة في الأمور والقضايا التي تتمحور حولها أسباب الرفض وعدم قبول الرأي الآخر إلا أن ذلك لم يحث ولم يلبِ طلبه ( ).
ربيع العربو الحمداني- امير مشرف
- عدد المساهمات : 162
نقاط : 5076
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد أغسطس 25, 2024 6:14 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» لاصمت في الصمت ,للشاعر حسين يعقوب الحمداني
الإثنين يوليو 08, 2024 5:48 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» سيف الدولة الحمداني.. لمحات تاريخية وثقافية
الإثنين يوليو 01, 2024 3:20 pm من طرف حسين يعقوب الحمداني
» عودة جديدة
الإثنين فبراير 06, 2023 4:41 am من طرف محمدالفارس
» عشيرة البزون
السبت فبراير 06, 2021 1:17 am من طرف احمد البزوني
» طيف سما بغير موعد
الخميس أبريل 02, 2020 6:34 am من طرف حسين يعقوب الحمداني
» كاميرات مراقبة و أجهزة انذار شركة الانظمة المتكاملة
الثلاثاء أغسطس 04, 2015 8:32 pm من طرف isti
» دلال المغربي بقلم : توفيق خليل ( ابو ظريف ) 14 / 3 / 2015
السبت مارس 14, 2015 1:38 am من طرف توفيق الكردي
» اجمل واروع تلاوة للقرآن
الثلاثاء سبتمبر 23, 2014 3:15 pm من طرف محمدالفارس